Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

الرسالة الغراء في تربية الأبناء

أهدى هذه الخواطر إلى أبنائي جميعاً، وإلي محمد علي الخصوص، فهو أكبرهم، وأملى فيه أن يقوم بدورى معهم، وإن يعامله الجميع كأنه أنا ... إخوة كأنهم أبناء أحدهم، يحب بعضهم بعضاً، ويغار. كل منهم على مصلحة الباقين ... إني أخاطب بهذه الكتابة محمداً. فهو الذي حركني لكتابة هذه الخواطر، يوم أن بدأ دراسته بالقاهرة وأخذ هو وشقيقته الكبرى " منال " يدرسون بمصر ، ساعتها شدنی الشوق، وألهبني الحنين، وحركني الحرص، ودفعني الخوف، وجذبني الأمل إلى كتابة هذه الخواطر لتحقيق ما يلي| أولًا : محاولة دفع الأبناء إلى الالتزام بالطريق المستقيم وهم بعيدون عني ، ليستمروا علي ما كانوا عليه وهم معي .

 ثانياً: دفع الأبناء إلى العمل ، والدراسة ، والابتعاد عن دوافع الهوى ، وترك جواذب الشباب الضارة ، وبخاصة أن محمداً ومنالا يعيشان وحدهما ، ومعهما نعمة الصحة والمال ، ولا أريد لهما أن يعيشا فراغاً يجلب الضرر والفساد ، أو يهملا حقا الله تعالى ، أو لأحد من الناس .

ثالثاً: تحديد غايات عالية تأخذ الأبناء نحوها ، لأن ارتباط المنفس بأمل واضح ، وهدف نبيل يوجه الحركة والفكر نحو الهدف ، ويضبط السلوك والعمل في الطريق المستقيم. 

رابعاً: تحقيق الأسوة والقدوة وإيجادها في الواقع العلمي والعملي أمام الأبناء ، لأن بقية الأبناء يسيرون في خطى أخيهم الأكبر ، واستقامته تكون سببا لاستقامتهم ، وبمثل عيشته ستكون حياتهم.

 خامساً: زرع الحب الأصيل في قلوب الأبناء ، وذلك بتذكيرهم بما وفقني الله فيه من بذل وجهد ، وبما أطلبه منهم جميعاً في إطار يصون الحقوق ، ويحدد الواجبات ويؤكد وحتى يبقى كلامي هذا شاهداً عليهم ، ورقيباً يوقظهم عند حدوث غفلة أو نسيان.

سادساً: تذكيرهم بالمسئولية أمام الله تعالى، وأمام والديهم، ووضع هذه المسئولية فى إطار ثابت مقروء، لا يغيب عن حياتهم، وأعينهم. ولسوف أسألهم ما حييت، وأوجههم، وأنصحهم، وأصحح ما يحتاج لتصحيح في أعمالهم وسلوكهم، وتعاونهم. ولسوف تحوم حولهم روحي بعد موتي لأطمئن على تنفيذهم وصاياى، ولأعرف مدى برهم بطاعتي، بعدما أودعهم، وأرحل عنهم ، والحمد لله فكل ما أتمناه أمر مشروع ، وهو طاعة الله تعالى قبل أن يكون برآ بي، ولسوف أسعد بطاعتهم، وأحزن كثيراً إن ضيعوا أملى فيهم، وأهملوا، وأدرك الآن أنهم سيتألمون يوم الفراق، وسيتذكرون ما عملت معهم ، ولكن خوفي من تبدل الحال بمرور الزمن، وحينئذ لا يلتفتون لوصاياي.

سابعًا: تعريف الأبناء بسيرة أبيهم لتكون نبراساً أمامهم يستفيدون بمحاسنها ... ويتلمسون دروبها حتى لا ينسيهم تغير الحال أصولهم وجذورهم ، وبخاصة إذا أنعم الله حياتهم، وأفاء عليهم بكرمه وفضله، ومن المعلوم أن التذكير بفضائل الآباء والأمهات هاد إلى الحق والصواب من قبيل قول الله تعالى (يَأُخْتَ هَرُونَ ) .

01
أولًا: اعرف ربك

إبني العزيز . محمد...نصيحتي الأولى إليك أن تعرف ربك، فهي أهم النصائح، وأحقها بالطاعة وأولاها بالاستجابة والقبول، لأن المحافظة عليها دافع للمحافظة على كافة الحقوق بعدها، وإهمالها أو التقصير فيها إشارة إلى إهمال سواها مهما كان شأنه، ومعرفة الله تقوم على الإدراك النظرى، والتطبيق المعملي، وكلاهما لازم للآخر، فبالنظر يعرف الله، وبالعمل يعبد الله، وبهما معا تكون المعرفة على حقيقتها .

ياولدى . تذكر دائما أن الله أعطاك الكثير، وبارك لنا في القليل حتي صار كثيراً، وهيأ لنا أصحابا كراما أحبناهم وأحبونا، ويسر بيننا الثقة. كل ذلك بفضل الله تعالي ... تنبه: يا ولدي. وأعلم أن كثيراً من الناس حاولوا النجاح ففشلوا، ولكن الله هيأنا للنجاح ويسره لنا، وشكر ذلك الإقرار به، وأداء حقوقه.

02
ثانيًا: كمل ذاتك بالعلم القويم والخلق الكريم والعمل المستقيم

يا ولدى. كَمل من الرجال كثيرون ، فحاول أن تلحق بهم ، ولا تتقاعس حتى لا تصير من نواقص الناس. إن الفرق كبير بين الرجل الكامل ، والرجل الناقص. فالكامل يتميز بالتقدير، والاحترام، والحب، والرفعة تحيطه القلوب بالمودة، وينزله الناس رائداً، و قائداً، وسيداً يُسمع قوله ويُطاع أمره، ويسعى إليه الجميع .

والكامل يرضى الله عنه، ويوفقه، ويعينه، ويهديه إلى الصواب والسداد، ويخرجه من الظلمات إلى النور. والكامل راض عن نفسه، مستقر في فكره، مطمئن لعمله، ينظر إلى الماضى فيسعد بما وفق فيه، ويعيش المحاضر بمنهج الله فينشط بما يحس به، وينظر إلى المستقبل فإذا هو غيب يرتاح له لأنه بيد سيده، و حبيبه، ومبتغاه، وقد أو كله وتوكل عليه في الاختيار والتوفيق .

03
ثالثًا: حافظ على حقوق الآخرين

الآخرون . يا ولدى . بشر مثلك تماماً فحاول أن تحافظ على حقوقهم وتقوم بالواجب تجاههم، وحقوق الناس لا تحتاج لمعارف وقراءات، ولكنها لبساطتها تحتاج منك أن تعود لنفسك، وتتأمل الصورة التي تحب أن يعاملك الناس بها، لأن هذه الصورة هي حقوقك على الناس، وهي في نفس الوقت حقوقهم عليك

إن الإنسان لا يمكنه أن يعيش وحده، ولا يمكنه أن يعيش مع الناس، وقد أهملهم، وألغى حقوقهم، ولا يمكنه أن يعيش مع الناس آمناً وهم له كارهون. لابد من أداء الحقوق لأصحابها لتكون محل احترام الناس، وموطن أمل لهم، وأول من له حق عليك أبواك ، فهما سبب وجودك، قدما لك أسباب الحياة بكل الحنان، والمودة، وبلا أي مقابل تصوروه .

04
- الوداع -

وعدنا إلى القاهرة مع نهاية عام ٢٠٠١ من الهجرة وبدأ استقرارنا فيها بعد غربة امتدت اثنين وعشرين عاما قضيناها سويا حيث كنت أعمل ووالدتكم، بجامعة أم القرى والحمد لله فقد عشنا هذه المدة في رحاب حرم الله ، مجاورين للبيت الحرام .

عدت إلى القاهرة، وقد تغيرت معالم كثيرة في بطاقة الأسرة حيث أثمرت الشجرة فروعا يانعة، وأخذت الفروع تتحول إلى شجيرات جديدة متصلة بأصلها الأول، فتزوج محمد، ومنال، وأمل، وكونوا أسرا لها حياتها، ومعاشها، وذاتيتها، وبنوها، وبناتها ... وأخذ التلاصق الأسرى يقل شيئا فشيئا، وبعد مدة من الاستقرار لحق بالمتزوجين محمود وعبد المرحمن، والحسن، والحسين .أسأل الله لهم جميعا الاستقرار، والهدوء، وراحة البال ... وأسأل الله للجميع أن يرزقهم الزوجة الطيبة ، والذرية الكريمة الصالحة

05
الختام

الحمد لله في الأولين، والحمد لله في الاخرين، والحمد لله إلى يوم الدين والحمد الله علي ما أعطى، والحمد الله علي ما أخذ ،والحمد علي فضله ونعمه فهي كثيرة سابغة وأسأله سبحانه :. أن يغفر زلاتي، ويستر عوراتي، ويهديني سواء السبيل، وأن يعوضني عن فقد ولدي، ويؤجرني علي صبري وتسليمي وأن يجمع بيني وبين أولادى في الآخرة كما جمعني بهم في الدنيا، وأن يضع في ذريتي الصلاح والتقي، وحسن الخلق، وحسن معاملة الناس، ويهديهم لكل خير وفلاح ... آمين

الى الاعلى