أهدى هذه الخواطر إلى أبنائي جميعاً، وإلي محمد علي الخصوص، فهو أكبرهم، وأملى فيه أن يقوم بدورى معهم، وإن يعامله الجميع كأنه أنا ... إخوة كأنهم أبناء أحدهم، يحب بعضهم بعضاً، ويغار. كل منهم على مصلحة الباقين ... إني أخاطب بهذه الكتابة محمداً. فهو الذي حركني لكتابة هذه الخواطر، يوم أن بدأ دراسته بالقاهرة وأخذ هو وشقيقته الكبرى " منال " يدرسون بمصر ، ساعتها شدنی الشوق، وألهبني الحنين، وحركني الحرص، ودفعني الخوف، وجذبني الأمل إلى كتابة هذه الخواطر لتحقيق ما يلي| أولًا : محاولة دفع الأبناء إلى الالتزام بالطريق المستقيم وهم بعيدون عني ، ليستمروا علي ما كانوا عليه وهم معي .
ثانياً: دفع الأبناء إلى العمل ، والدراسة ، والابتعاد عن دوافع الهوى ، وترك جواذب الشباب الضارة ، وبخاصة أن محمداً ومنالا يعيشان وحدهما ، ومعهما نعمة الصحة والمال ، ولا أريد لهما أن يعيشا فراغاً يجلب الضرر والفساد ، أو يهملا حقا الله تعالى ، أو لأحد من الناس .
ثالثاً: تحديد غايات عالية تأخذ الأبناء نحوها ، لأن ارتباط المنفس بأمل واضح ، وهدف نبيل يوجه الحركة والفكر نحو الهدف ، ويضبط السلوك والعمل في الطريق المستقيم.
رابعاً: تحقيق الأسوة والقدوة وإيجادها في الواقع العلمي والعملي أمام الأبناء ، لأن بقية الأبناء يسيرون في خطى أخيهم الأكبر ، واستقامته تكون سببا لاستقامتهم ، وبمثل عيشته ستكون حياتهم.
خامساً: زرع الحب الأصيل في قلوب الأبناء ، وذلك بتذكيرهم بما وفقني الله فيه من بذل وجهد ، وبما أطلبه منهم جميعاً في إطار يصون الحقوق ، ويحدد الواجبات ويؤكد وحتى يبقى كلامي هذا شاهداً عليهم ، ورقيباً يوقظهم عند حدوث غفلة أو نسيان.
سادساً: تذكيرهم بالمسئولية أمام الله تعالى، وأمام والديهم، ووضع هذه المسئولية فى إطار ثابت مقروء، لا يغيب عن حياتهم، وأعينهم. ولسوف أسألهم ما حييت، وأوجههم، وأنصحهم، وأصحح ما يحتاج لتصحيح في أعمالهم وسلوكهم، وتعاونهم. ولسوف تحوم حولهم روحي بعد موتي لأطمئن على تنفيذهم وصاياى، ولأعرف مدى برهم بطاعتي، بعدما أودعهم، وأرحل عنهم ، والحمد لله فكل ما أتمناه أمر مشروع ، وهو طاعة الله تعالى قبل أن يكون برآ بي، ولسوف أسعد بطاعتهم، وأحزن كثيراً إن ضيعوا أملى فيهم، وأهملوا، وأدرك الآن أنهم سيتألمون يوم الفراق، وسيتذكرون ما عملت معهم ، ولكن خوفي من تبدل الحال بمرور الزمن، وحينئذ لا يلتفتون لوصاياي.
سابعًا: تعريف الأبناء بسيرة أبيهم لتكون نبراساً أمامهم يستفيدون بمحاسنها ... ويتلمسون دروبها حتى لا ينسيهم تغير الحال أصولهم وجذورهم ، وبخاصة إذا أنعم الله حياتهم، وأفاء عليهم بكرمه وفضله، ومن المعلوم أن التذكير بفضائل الآباء والأمهات هاد إلى الحق والصواب من قبيل قول الله تعالى (يَأُخْتَ هَرُونَ ) .