الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى أله وصحبه، وأتباعه ومن ولاه إلى يوم الدين . أما بعد ... فإني في يومي هذا يوم الاثنين العاشر من شهر أكتوبر سنة ٢٠١٦م أبلغ ثمانين عاما ميلادية، وعندها وجدت نفسي أقف متأملا فيما مضى من عمري، ومتصورا حاضري الذي أعيشه، ومؤملا في مستقبلي الذي قدره الله لي، وأسأله سبحانه أن يرحمني، ويغفر لي، فهو الغفور الرحيم، وأنا العبد الضعيف، الذليل، المحتاج...في هذا الوقت أرى نفسي على قمة الجبل، وتحته السفح، وفوقه السحاب، وكل أملي رضى الله ورضوانه، وعونه فيما بقى لي في الدنيا، ودعائي الله أن يذكرني بفضله علي عند صعودي من القاع للقمة، حتى لا أنسى فالفضل له وحده سبحانه ... ورجائي أن يجعل هذه القمة سببا لاستمرار التواصل معه، ونيل عطائه ونعمه، وأن ينقلني من قمة الدنيا التي قدرها لي إلى قمة السعادة عنده في جنات النعيم، إني انظر إلى القمم العديدة التي سبقتني إلى الله بالصلاح والتقى واتخذها أسوتي وقدوتي، وأتمنى التذكر الدائم لمن في القاع أو من على السفح لأتبين فضل اللّٰه أكثر وأكثر.
في هذا الوقت أتذكر أحداث الماضي معي، ومع أقراني الذين زاملتهم في اللعب، والكتاب، والذهاب إلى المسجد يوم أن كنت طفلا أجوب حواري القرية، وألعب مع الصغار في خلواتها، وطرقاتها، وأرى هذه المواقف بصورتها يوم حدثت تقفز أمامي وكأنها ما زالت موجودة، ..... أرى الشوارع الواسعة، والحارات الضيقة، والأزقة المغلقة، وطريقة اللعب، وحب السعي والجري فيها ، ... وأرى كيفية استغلال طرق القرية وفراغاتها بأكوام السباخ، وفضلات الماشية ... عشت هذه الذكريات، وتجولت فيها بعقلي مارا بطفولتي، ويفاعتي وشبابي، وفترات ضعفي وقوتي، وتذكرت أحلامي العاجلة يومها، حيث رجوت ثوبا جديدا ، أو مصاحبة أبي للذهاب لأرض الحوشة ، .... كما تذكرت أحلامي البعيدة يوم تصورت نفسي مدرسا أعلم، أو واعظا أخطب، أو شابا يركب فرسا، ويحمل عروسه بيده اليمنى بلباسها الأبيض، أو غنيا يملك أرضا وضيعة، وعنده عدد من الغنم والبقر ، ... تذكرت كل هذا، وتأملته، وأحببت أن أكتب ما أذكره عنه، تصويرا للحدث، وشكرا الله ، واستفادة بعبره ودروسه، وتقوية للحاضر الموجود، وأملا في مستقبل يصفو فيه القلب، ويخلص معه السعي والعمل، وأحقق من ذلة نفسي العبودية القانتة الله رب العالمين، ولا أغتر بشيء، أو يأخذني الزهو ويبعدني عن ربي العظيم .
إني أكتب الحقيقة التى أذكرها كما عشتها صغيرا في بلدي، ليعلم الجيل الحديث ما كانت عليه قريتهم، ويقارنوه بما هم فيه اليوم ليشكروا الله على ما أعطاهم، وما قدره لهم، وما قضى به لأبناء القرية كلها، وليعذرني من يقرأ هذه الذكريات إذا رأى أن نسيانها كان أجمل، وتجاوزها أكرم وأولى، فليس لي مقصد إلا بيان فضل الله تعالى، وإظهار شيء من التاريخ ليكون عبرة لأولى الألباب، وليكتشف أبنائي وأحفادي ما كنت فيه ، وما عملت معهم، عسى أن يأخذهم إلى الصواب ، ويبعدهم عن الشطط والغلو الذي توسوس به الشياطين، وأيضا فإن التزامي بالصدق في كل ما أذكره يحتم علي أن أروي ما حدث على وجهه سواء كان حسنا أو سيئا، كما أني التزم بأمر هام، وهو عدم الخوض في أمر له مساس بغيري حتى لا أسيء به لنفسي وغيري ( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )