Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

ذكريات عند الثمانين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى أله وصحبه، وأتباعه ومن ولاه إلى يوم الدين . أما بعد ... فإني في يومي هذا يوم الاثنين العاشر من شهر أكتوبر سنة ٢٠١٦م أبلغ ثمانين عاما ميلادية، وعندها وجدت نفسي أقف متأملا فيما مضى من عمري، ومتصورا حاضري الذي أعيشه، ومؤملا في مستقبلي الذي قدره الله لي، وأسأله سبحانه أن يرحمني، ويغفر لي، فهو الغفور الرحيم، وأنا العبد الضعيف، الذليل، المحتاج...في هذا الوقت أرى نفسي على قمة الجبل، وتحته السفح، وفوقه السحاب، وكل أملي رضى الله ورضوانه، وعونه فيما بقى لي في الدنيا، ودعائي الله أن يذكرني بفضله علي عند صعودي من القاع للقمة، حتى لا أنسى فالفضل له وحده سبحانه ... ورجائي أن يجعل هذه القمة سببا لاستمرار التواصل معه، ونيل عطائه ونعمه، وأن ينقلني من قمة الدنيا التي قدرها لي إلى قمة السعادة عنده في جنات النعيم، إني انظر إلى القمم العديدة التي سبقتني إلى الله بالصلاح والتقى واتخذها أسوتي وقدوتي، وأتمنى التذكر الدائم لمن في القاع أو من على السفح لأتبين فضل اللّٰه أكثر وأكثر.

في هذا الوقت أتذكر أحداث الماضي معي، ومع أقراني الذين زاملتهم في اللعب، والكتاب، والذهاب إلى المسجد يوم أن كنت طفلا أجوب حواري القرية، وألعب مع الصغار في خلواتها، وطرقاتها، وأرى هذه المواقف بصورتها يوم حدثت تقفز أمامي وكأنها ما زالت موجودة، ..... أرى الشوارع الواسعة، والحارات الضيقة، والأزقة المغلقة، وطريقة اللعب، وحب السعي والجري فيها ، ... وأرى كيفية استغلال طرق القرية وفراغاتها بأكوام السباخ، وفضلات الماشية ... عشت هذه الذكريات، وتجولت فيها بعقلي مارا بطفولتي، ويفاعتي وشبابي، وفترات ضعفي وقوتي، وتذكرت أحلامي العاجلة يومها، حيث رجوت ثوبا جديدا ، أو مصاحبة أبي للذهاب لأرض الحوشة ، .... كما تذكرت أحلامي البعيدة يوم تصورت نفسي مدرسا أعلم، أو واعظا أخطب، أو شابا يركب فرسا، ويحمل عروسه بيده اليمنى بلباسها الأبيض، أو غنيا يملك أرضا وضيعة، وعنده عدد من الغنم والبقر ، ... تذكرت كل هذا، وتأملته، وأحببت أن أكتب ما أذكره عنه، تصويرا للحدث، وشكرا الله ، واستفادة بعبره ودروسه، وتقوية للحاضر الموجود، وأملا في مستقبل يصفو فيه القلب، ويخلص معه السعي والعمل، وأحقق من ذلة نفسي العبودية القانتة الله رب العالمين، ولا أغتر بشيء، أو يأخذني الزهو ويبعدني عن ربي العظيم .

إني أكتب الحقيقة التى أذكرها كما عشتها صغيرا في بلدي، ليعلم الجيل الحديث ما كانت عليه قريتهم، ويقارنوه بما هم فيه اليوم ليشكروا الله على ما أعطاهم، وما قدره لهم، وما قضى به لأبناء القرية كلها، وليعذرني من يقرأ هذه الذكريات إذا رأى أن نسيانها كان أجمل، وتجاوزها أكرم وأولى، فليس لي مقصد إلا بيان فضل الله تعالى، وإظهار شيء من التاريخ ليكون عبرة لأولى الألباب، وليكتشف أبنائي وأحفادي ما كنت فيه ، وما عملت معهم، عسى أن يأخذهم إلى الصواب ، ويبعدهم عن الشطط والغلو الذي توسوس به الشياطين، وأيضا فإن التزامي بالصدق في كل ما أذكره يحتم علي أن أروي ما حدث على وجهه سواء كان حسنا أو سيئا، كما أني التزم بأمر هام، وهو عدم الخوض في أمر له مساس بغيري حتى لا أسيء به لنفسي وغيري ( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )

01
القرية

يحتفظ العقل بذكرياته الأولى، وبخاصة التي عاشها في طفولته ووعيه الأول، وقد أحب الأماكن التي عاش فيها، واتخذها مسرحا للعبه وتسليته، وما زلت أذكر أيامي الأولى في منية مسير" التي ولدت في أحد بيوتها، ودرجت في حواريها، واستنشقت هواءها، ولعبت مع أقراني في جنباتها، وسوف تبقى في عقلي رمزا عاليا يجمع إعجابي ، وحبي، وأملي، ... وأحمد الله تعالى على ما صارت إليه قريتي العزيزة، فقد تبدل حالها، واتسع العمران فيها، وانتشر بنوها في مصر وفي العالم رجالا يعملون في كل مجال، وعلماء ينشرون العلم والمعرفة في المواطن التي يوجدون فيها.

كانت قرية "منية مسير " صغيرة المساحة، قليلة العدد، وكانت مبانيها تشغل جزءا من حوض داير الناحية الذي خصص للبناء وهي اليوم تشغله كله، وتشغل أحواضا أخرى معه، تتبع منية مسير" مركز كفر الشيخ" الذي كان تابعا لمحافظة الغربية حتى عام ١٩٥٠م ، إذ صار بعد هذا التاريخ تابعا لمحافظة كفر الشيخ التي أنشئت في هذا العام، وكان اسمها قبل الثورة " محافظة أحمد فؤاد الثاني ولي العهد يومذاك، ولما قامت ثورة ١٩٥٢م تغير اسمها إلى محافظة كفر الشيخ "، وقد لاحظت وجود عدد من القرى المتداخلة تنسب إلى " مسير " ، وبحثت في الأمر، ولم أعرف له سببا معينا، فلجأت إلى التوقعات.

02
العائلة

أسرة "غلوش " في "منية مسير " قليلة العدد، فقد بدأ وجودها في القرية حينما أتى إليها جدي " أحمد " من قريته الأصلية " برما" التابعة المحافظة الغربية، وقد تركها هربا من تشغيله رغما عنه، وبلا أجر في خدمة الجيش الانجليزي، أو في مواجهة فيضان النيل، لأن الفيضان كان يغرق الزراعة والبلاد المجاورة لنهر النيل، وكان المسئولون يجلبون الناس قهرا لإقامة سدود ترابية حول النهر ، وحول القرى ، وحول الزراعات المنكوبة، وبلا أجر، وبلا نظام معين، وكثير من الناس غرقوا في النيل وهم يعملون، وكل من تمكن من النجاة من هذه السخرة نجا اختفاء، أو هربا، وكان جدي أحد الذين جاءوا إلى " منية مسير " فارا من بلدته، فنجا بنفسه، واعتبره أهل القرية ضيفا عليهم، وكان لا يقيم في القرية طويلا، فليس له أرض ، أو حرفة، فأخذ يسافر إلى المدن المجاورة ، وهي كفر الشيخ ، أو المحلة الكبرى، أو الاسكندرية يبحث عن عمل يكسب منه قوته ومعاشه، ففكر في التجارة فيما يحتاجه الناس، فكان يأتي بالأقمشة والحبوب من المدينة إلى القرية والعكس، فيأخذ من القرية ما يحتاجه أهل المدن، ويأخذ من المدينة ما يحتاجه أهل القرية، فبعد بذلك عن الفلاحة، ونجا من سخرة الفيضان ووزارة الزراعة

وبعد مدة تزوج جدي أحد بنات أسرة " الصعيدي" ، وهي أسرة قليلة العدد، طيبة القلب، لا طموح فيها حيث كان يعمل أغلب أبنائها في أراضي وزارة الزراعة، وأقام جدي لنفسه بيتا بينهم في الكفر الغربي، ورزقه الله تعالى من زوجته " مريم " ولدين هما والدي " أحمد" ، وعمي " السيد " ، وبنتا هي عمتي " فاطمة "، وكان لجدي صهران شقيقان لزوجته هما عبد الرزاق، وعبد العزيز" ، تأثر أكبرهما " عبد الرزاق بجدي ، فترك القرية، ورحل إلى قرية دمرو الحدادي وامتهن صيد السمك من بحيرة " البرلس" والتجارة فيه، وقد أكرمه الله تعالى في ذلك إلى حد كبير، وتميز جدي بالصلاح، والكرم، وشهد له الناس بكثرة الصلاة والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمساكين إذ كان يدق بيوتهم في ظلام الليل عند الفجر، ويلقي إليهم ما تيسر من المال، والملابس، والأقوات التي تفيض عنده بعد تحصيل ثمنها وربحه منها، فإذا ما فتحت صاحبة البيت الباب ألقى ما معه، وانصرف مسرعا حتى لا تعرفه صاحبة البيت، إلا أن النسوة عرفته لكثرة مجيئه إليهن، يقول البعض من أبناء القرية: لما مات جدي بكته الأرامل ، وكن يقلن : من سيأتينا بعده".

وأما أبي فقد تأثر بالجو حوله، ورغب أن يكون من أبنائه متعلم مثل أبناء المحيطين به، فعمل على تعليمي وأخي إبراهيم، وأبقى إخوتي الثلاثة (عبد العال، ومحمد، ومحمود لفلاحة الأرض، ومساعدته في الزراعة، ولم يلتفت أبي إلى النصائح التي سمعها وخوفته من تعليمنا، بحجة أن التعليم سيؤدي إلى بيع الأرض، وبذلك يضيع مستقبل إخوتي المزارعين، ولأن صنعة في اليد أمان من الفقر .

وأعان الله تعالى أبي فوفقه لوظيفة عادية بوزارة الزراعة بمرتب شهري استعان به في الإنفاق على تعليمي وأخي ، وتمكن أبي من تعليمنا ، وزيادة الأرض التي ورثها بشراء أرض الحوشة وغيرها، والحمد لله رب العالمين فقد تخرجت من جامعة الأزهر، وحصلت على الدكتوراه، وأكرمني الله تعالى بالعلم، والولد، والمال. وتخرج أخي إبراهيم من كلية العلوم - جامعة عين شمس، وعمل بوزارة التربية والتعليم حتى صار مديرا عاما قبل أن يحال للتقاعد، وصار للأسرة مكانة طيبة بين أسر " منية مسير " ، وتخرج من بنيها أفراد عديدون رفع الله تعالى شأنهم في كل مجال عملوا به في الجيش والشرطة، والقضاء، والجامعات المختلفة، وبذلك تضاعفت مسئوليتهم أمام الله تعالى، وعليهم أن يقوموا بها.

 

 

03
الميلاد

ولدتني أمي في اليوم العاشر من شهر أكتوبر عام ١٩٣٦م كما هو مدون في شهادة الميلاد، وبالطبع خرجت كما خلقني الله تعالى لا أعلم شيئا، ولا أدري بشيء حولي، إلا أن المشاهدين للحدث حكوا غرائبه، ورددوا وقائعه، وقصوا ما حدث اعترافا بفضل الله تعالى، أو إعجابا بالحدث، أو لمجرد السرد والحكاية، أو التأمل في مفاجأته، وعجائبه وقد سمعت أحداث يوم ميلادي من أبواي وأقاربي ، .... فقد علمت ما عناه أبواي معي، إذ توحمت أمي بعدما حملت بي على غير عادتها على التفاح الأحمر، فاضطر والدي لإحضاره من الإسكندرية، وكثيرا ما مرضت أمي أثناء حملي، حيث كان يتورم جسدها، فتخاف على ما في بطنها أكثر من خوفها على نفسها، وتهمل تناول الدواء، ولم يكن حال أبي ميسورا، بل كان مثقلا برهن أرض البحرية الذي اضطر إليه ليعالج من مرض أصابه، ورأى الأطباء ضرورة العلاج في الإسكندرية، ولا سبيل أمامه للمال إلا بالرهن الموجود يومذاك ويقوم به الخواجات اليونانيون، وهو أن يأخذ المحتاج قدرا من المال من شخص له مال في مقابل أرض زراعية يسلمها لصاحب المال، أو يقوم بزراعتها هو، ويأخذ رب المال علة الأرض لحسابه إلى أن يرد المدين إليه ماله بفوائده في مدة محددة، فإن لم يرد المدين المال في هذه المدة تصير الأرض ملكا لصاحب المال، أو يجدد الربا مضاعفا.

وكان عدد من اليونانيين يقيم في قرية "مسير" المجاورة لبلدي منية مسير" يستثمرون أموالهم في عمليات الرهن، لكل من يحتاج إليه، وكانوا سببا رئيسيا في نشر الرذائل وسط الناس، لأنهم كانوا يشترون نتاج الأرض بثمن بخس قبل ظهور الثمر، وكانوا يقرضون بالربا المضاعف، وينشرون الرذائل في المنطقة مثل إدارة صالة للقمار، وفتح دار للدعارة، وإنشاء مقهى للشيشة وغيرها، وقد أقاموا مبنى كبيرا يقيمون فيه، ويباشرون منه أعمالهم المتنوعة، يعرفه الناس باسم "الخمارة " نسبة إلى الخمر الذي تخصصوا في بيعه مع سائر المسكرات، وبذلك سيطروا على خيرات البلد، وأفكار الشباب، وكانوا مصدرا للهو والهوى.

04
النشأة الأولى

ولدت في بيت متواضع كسائر بيوت أهل القرية في "منية مسير"، وكان مكونا من حجرات أربع، وحظيرة للماشية، وبه فناء خلفي أقيم فيه قرن" لإعداد الخبز، و" كانون للطبخ، وبناء صغير لقضاء الحاجة وعشت في كنف أبي وأمي، لا أعرف شيئا عن فترة رضاعتي، وحضانتي إلا أن ما أؤمن به هو أن أبي وأمي بذلا وسعهما في تنشئتي وأخوتي الاثنين اللذين كانا يكبراني، وهما عبد العال، وفوزية" كما بذلا جهدهما مع باقي الإخوة، وكل ما أذكره في هذه الفترة أن خالي " نصر " شقيق والدتي كان معجبا بي حجما، وصورة، وكان يحملني ويداعبني، ويوصي أمي بي، ويقول لها : اهتمي بهذا الولد - كما حكت لي أمي، وامتد بي الزمن فخرجت من البيت، وأخذت ألعب مع أقراني من أبناء الجيران الألعاب السائدة يومذاك مثل لعبة عسكر وحرامية "، وفيه يختفي ممثل الحرامي في أماكن مجهولة للعسكري، ويأخذ العسكري في البحث عنه لمدة متفق عليها، فإن عجز، ورجع الحرامي إلى أماكن التجمع يتحول العسكري إلى حرامي .

ومثل لعبة " الاستغماية وفيها يعصب أحد الأطفال عينيه ويقف وسط دائرة من الأطفال، ويضربه أحدهم ، ويحاول الإمساك به، ولهذه اللعبة صور أخرى، مثل الاختفاء في مكان، ويبحث عنه الآخرون، ويعد فائزا إن عاد إلى المكان المحدد قبل أن يصل إليه زملاؤه، ومثل لعبة " الميس" وفيها يحاول الأطفال توجيه الكرة إلى قالب من الطوب على بعد أربعة أمتار تقريبا فمن أصابه فقد فاز، ومثل لعبة "روح" حيث يتوزع الأطفال في ملعب يتناقلون الكرة وهم فريقان، فريق يتناقل الكرة ليصيب بها أحد أعضاء الفريق الآخر الذي يقطع مسافة مجاورة لهم وهو يجري، ويقوم الفريق الثاني بتشتيت الكرة بعيدا عن الفريق الأول لنجاة صاحبهم من الإصابة، والفائز من يحقق ما يعمل له.

05
في رحاب معهد كفر الشيخ الديني

الأزهر الشريف هو موئل الإسلام في مصر، وفي العالم كله، وأهم معقل للدعوة إلى الله تعالى، فقد أنشأ المعاهد الدينية في مصر، وفي العالم الإسلامي، وأرسل الوعظ والمدرسين للدول الإسلامية، وأقام المراكز الإسلامية العديدة في العالم الخارجي، وله وعظه المنتشرون في كل أرجاء الدنيا، وأئمة وزارة الأوقاف جميعا من خريجي الأزهر، كان معاهد الأزهر التعليمية في مصر محدودة في النصف الأول من القرن الماضي، إذ أقام الأزهر بإقامة معهد ديني في عاصمة كل مديرية التي تكبر بعد الثورة إلى محافظة، وقد أنشأ الأزهر معهدا في دسوق قبل أن توجد مديرية كفر الشيخ، ثم وجد معهدان في مدرية الغربية وعاصماها "طنطا هما معهد طنطا الديني، ومعهد دسوق الديني لدراسة في الأزهر تشمل مرحلتي الابتدائية والثانوية، ومدة دراسة أربع سنوات، ومرحلة ثانوية خمس سنوات على أن يقبل الأزهر في المرحلة الابتدائية الطالب إذا تم حفظ القرآن الكريم، ونجح في الامتحان التحريري الذي يشمل الإملاء، والحساب، واختبارات الذكاء، وفي الامتحان الشفوي في حفظ القرآن الكريم. واجتياز مقابلة الشخصية، وفكر أبي في تعليمي ولم يكن أمامه إلا مع هذا تسوق، وطنطا، وعليه أن يختار أحدهما، وكلاهما بعيد عن موطنه ويحتاج إلى مصاريف كثيرة، إلا أن بعض المصل في مدينتي كفر الشيخ وميت علوان.

 

06
في رحاب معهد طنطا الثانوي

الحمد الله تعالى فقد اجتزت المرحلة الابتدائية بمعهد كفر الشيخ الديني، وحصلت على الشهادة الابتدائية منه بمجموع ٨٥ %، وكان ترتيبي الأول، وبدأ الإعداد للمرحلة الثانوية ومدتها خمس سنوات تؤهل من يجتازها لدخول كليات الجامعة الأزهرية الثلاث، أو كلية دار العلوم جامعة فؤاد الأول - القاهرة بعد ذلك - وكان من " منية مسير طالبان يسبقاني بسنة دراسية واحدة، هما الشيخ فرج قاسم، والشيخ أحمد غزالة المشهور بـ زغلول"، وكانا لنا روادا نتبعهم في مسيرتهم وكانا يقومان بدور توجيهي لنا في المذاكرة والسكن، .... وغير ذلك ، وكنا نحترمهم ونطيع توجيهاتهم، ولهذا قدمت أوراقي لمعهد طنطا الثانوي، وقبلت به، وسكنت معهم في السنوات الثلاث الأولى ، وفارقتهم في السنتين الأخيرتين، وكانت المرحلة الثانوية بسنواتها الخمس مليئة بالمعرفة، ومشحونة بالعمل، وفيها كثير من الدروس والعبر، ومن ذلك : -

١- بدأنا في الدراسة المتعمقة التحليلية، حيث درسنا التفسير في تفسير النسفي، ودرسنا الحديث في شرح النووي على صحيحمسلم، والفقه في الاختيار لتعليل المختار، وأخذنا في دراسة المنطق القديم والحديث، والعروض والقوافي، وعلوم البلاغة والأدب، والتاريخ بعصوره المختلفة، والعقيدة بأركانها 

٢-كان في المعهد الثانوي أساتذة أفذاذ، يسروا لنا العلوم السابقة من خلال شرح الكتب القديمة بأسلوب مبسط، ومنهج يقوم على التوضيح، والتحليل، والمقارنة، وقد تميز أساتذة المعهد بسعة العلم، وطول الخبرة، وعمق الإخلاص، وكنا نضبط الساعة على بدء شرح الأساتذة، وقد تعودنا من مدرس الفقه أن يبدأ ب بسم الله الرحمن الرحيم عندما تدق الساعة الثامنة صباحا، وينتهي من شرحه عند الدقيقة الأخيرة من الحصة، وهكذا سائر الأساتذة في جميع المقررات .

٣- كان أساتذة المعهد كتلا من الصلاح والتقوى، يشرحون لنا الدروس ويأخذوننا إلى الله برفق ولين، ويؤملوننا في توفيق الله إن استقمنا على طريق الله، ومن وصاياهم " لا تذاكروا إلا وقد أديتم الفرائض، وتجنبتم المعاصي، ليبارك الله لكم " .

٤ - كان الطلبة طلاب علم ومعرفة، لا يغيب أحدهم إلا لعذر، وكانوا يتعلقون بالأساتذة، ويحبونهم بأدب، ويتخذونهم قدوة وأسوة، قلنا للأستاذ/ عبد الباسط سليم مدرس الفقه الحنفي ذات: أنت عالم طيب، فقال لنا : لا تقولوا طيبا، بل قولوا صالحا، و مستقيما ومسلماً، لأن الطيب في عرف العامة يعني الساذج الأهبل وتجنبوا الألفاظ التي لها أكثر من معنى في مرة: الاصطلاح أو العرف.

07
وقفة على أبواب الجامعة

أعانني الله تعالى في المرحلة الثانوية، وقدر لي الجد والاجتهاد خلالها، ووفقني للنجاح والحصول على الشهادة الثانوية من معهد طنطا الديني بنسبة ۸۲ % من مجموع الدرجات ، وقدمت أوراقي إلى كلية دار العلوم المواصلة الدراسة الجامعية بها، وهو الأمل الذي تمنيته وعملت للوصول إليه، ولم تكن مكاتب التنسيق قد أنشئت بعد الطلاب ثانوية الأزهر وكان الطالب يتقدم بأوراقه إلى الكلية التي يرغبها، فإذا لم تقبله يأخذ أوراقه إلى كلية أخرى تقبله .

قبلتني كلية دار العلوم، وأخذت أعد العدة للدراسة بها، فأجرت سكنا بجوارها، وأنا سعيد بهذا القبول، وفجأة تغير الحال، واتخذت الأمور مسارا آخر غير ماكنت أحلم به، فقد قدر الله لي ولا راد لقضائه أن أترك كلية دار العلوم، والتحق بكلية أخرى، وفقدت أملا عملت له طويلا، وتمنيته في يقظتي ونومي..نعم فقدته بعد أن وضعت قدمي اليمنى عند بابه.... فأدركت على الفور بأن هذا قدر الله تعالى، وما الأمل إلا رغبة بشرية يجب أن لا تتجاوز حدودها، وقدرتها، ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا)

وسبب هذا التغيير أن كلية دار العلوم كانت تشترط بيان الموقف من التجنيد عند دخول الجامعة، وكان طالب الأزهر يؤجل التجنيد في الثانوية إلى بلوغ أربع وعشرين سنة في أول أكتوبر ، وطالب الثانوية العامة يؤجل التجنيد إلى بلوغ اثنين وعشرين عاما في أول أكتوبر أيضا، وكنت أبلغ في أول أكتوبر من ذاك العام اثنين وعشرين عاما إلا عشرة أيام، فصدر قرار من وزارة الدفاع بتوحيد التأجيل لطلاب الأزهر، وطلاب وزارة التربية والتعليم وحددوه باثنين وعشرين عاما عند أول يناير من العام القادم، وهنا بدأت المشكلة معي .

فأنا في أول يناير يكون عمري اثنين وعشرين عاما وشهرين وعشرين يوما، ولا أستحق التأجيل حسب القرار الجديد، ولو بقى القرار القديم لأخذت قرار التأجيل بسهولة، وقدمته لكلية دار العلوم، وأتممت أوراقي، وانتظمت فيها، ولو بقي تقدير المدة عند أول أكتوبر كنت أستحق التأجيل، لأن عمري وقتها ينقص عشرة أيام عن اثنين وعشرين عاما.

08
في رحاب كلية أصول الدين

اضطررت إلى سحب أوراقي من كلية دار العلوم، لأني لم أوافق على إضاعة سنتين من عمري، واستسلمت لقدر الله تعالى، وحاولت الانتساب إلى كلية اللغة العربية ولم أتمكن من ذلك، فقدمت أوراقي إلى كلية أصول الدين، وبدأ الفصل الدراسي الأول وأنا في الجيش، وقد قرب موعد الامتحان، وظهرت مشكلة التفرع لأداء الامتحانات الشفوية والتحريرية وتم حلها بفضل الله تعالى ، فقد تقدم الطلاب المشابهون لحالتي بطلب أجازة للامتحانات من رئاسة أركان الجيش، فصدر تعميم بإعطاء الطلاب الدارسين أجازة من أول الامتحان إلى نهايته، بشرط أن يحضر الطالب شهادة من الكلية تحدد مدة الامتحان.

وأتى زميلي المنتسب لكلية أصول الدين مثلي بشهادة تثبت بدء الامتحان ونهايته، وتبين أنه يستغرق شهرا ونصف شهر ، حيث امتحانات المتخلفين في نهاية الامتحانات، وحصلت على هذه الأجازة، وأقمت خلالها مع طلاب مسير، ومنية مسير ، وكانوا يسكنون في القلعة، وعرفت الطريق إلى شبرا، وحضرت امتحان الترم الأول، الشفوي والتحريري، وقد امتحنني الأساتذة الذين كانوا يدرسون بعض المقررات للطلاب، فلما سألوني أجبتهم، فسألوني عن الكتب التي ذاكرت فيها، ومن هم مؤلفوها ، فأخبرتهم وكانوا هم الأساتذة ولم أكن أعرفهم ، فلما رأوا إجاباتي سليمة أعطوني الدرجة النهائية في الامتحان الشفوي، وهي تقدر بعشرين في المائة من درجات كل مقرر ، وأكرموني لاعتمادي على نفسي في المذاكرة، وكانت مدة الأجازة طويلة ساعدتني على زيادة التحصيل والمذاكرة ، وزيارة والداي وإخوتي بعد انتهاء الاختبارات .

وفي آخر أيام الامتحان فوجئت بسكرتير الكلية يسلمني عددا من الكتب العلمية في المعارف الإسلامية ، لأنني أحد العشرة الأوائل الذين انتسبوا للكلية هذا العام، وكان هذا أول الغيث من كلية أصول الدين، ومن خلال دراستي للترم الأول في كلية أصول الدين ، وبالرغم بأني اكتفيت بقراءة مؤلفات الأساتذة هدأت نفسي، فقد عشت مع علوم التفسير والحديث، والعقيدة، والأديان من خلال كتب التراث المقررة، مثل تفسير أبي السعود، وفتح الباري، والعقيدة النسفية، والطحاوية، فتعلقت بهذه الفنون، ورغبت التخصص فيها، ولذلك لما صدر قرار بإلغاء قانون تأجيل التجنيد الذي صدر حديثا ، والعودة إلى القانون القديم لم أكترث به، ولم أغير رأيي، وقررت البقاء في كلية أصول الدين لغزارة علومها، وقرب انتهائي من السنة الأولى.

09
مشاكل ما بعد التخرج

تخرجت بترتيب الأول من قسم الدعوة الإسلامية كلية أصول الدين وأملت أن أعين معيدا بالقسم، أو أبعث واعظا لأحد البلدان الإسلامية الناطقة باللغة الفرنسية، ... ولم أقل شيئا مما أملت فيه، فقد أعلن المسئولون في الجامعة أن قسم الدعوة يختص بالتطبيق العملي للعلوم والدعوة الميدانية وسط الجماهير، أما الدراسات العليا فهي للأقسام الأخرى المختصة بالبحث والتعمق في العلوم الإسلامية، ولذلك لن تعين الجامعة معيدين لقسم الدعوة، ودور خريجيه هو وعظ الجماهير، وإرشادهم 

وكذلك لم تعتمدني لجنة الابتعاث لأن لكنتي الفرنسية غير سليمة وأخذت في السعي نحو عمل آخر، فأعلنت وزارة الأوقاف عن عمل مسابقة للأئمة والخطباء، فتقدمت لها، وتم الاختبار، وكان ترتيبي الخامس، ومن حقي أن أكون أولا في التعيين لأني أديت الخدمة العسكرية ، وأصدر وزير الأوقاف الدكتور/ محمد البهي قرارا بتعيين أوائل المسابقة في محافظة أسوان لمواجهة الشيوعيين الذين يعملون في السد العالي في هذا الوقت، وهو قرار صائب إلا أنه يعارض أحلامي وأمنياتي

استسلمت للأمر، وسافرت إلى المسجد الذي عينت به في محافظة أسوان، وتنقلت في أسوان خلال عام واحد بين مسجد "الصعايدة بحري"، ومسجد شركة السكر بكوم امبو"، ومسجد "النصر"، و"المسجد الكبير" بمدينة أسوان، ولم أنس أحلامي وأمالي، وظللت متعلقا بالقاهرة. وحدث أن أعلنت جامعة الأزهر عن افتتاح دراسة مسائية لخريجي الكليات الأزهرية القديمة لينالوا منه دبلوما في الدراسات النفسية والتربوية وسموه " معهد الإعداد والتوجيه " مدته سنة واحدة، وقرروا أن تكون الدراسة فيه مسائية تعويضا للطلاب عن السنة التأهيلية.

10
مرحلة الدراسات العليا ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )

وهكذا .. مرحلة الدراسات العليا ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ... أخذت أرجل بين القاهرة وأسوان ، وأركب في قطار متعب أقضي فيه عشر ساعات في الذهاب ومثلها في العودة، وكنت أقضي هذا الوقت والكتاب في يدي وسط ركاب الدرجة الثالثة وقدر الله تعالى لي الخير وسط هذه المتاعب، وتجلت رحمة الله تعالى معي في مواقف عديدة، .... أهمها : - 

أولاً : وافق مفتش مساجد أسوان الشيخ / إبراهيم الشرقاوي على أن أتغيب كل أسبوعين ثلاثة أيام بعد صلاة الجمعة أسافر خلالها إلى القاهرة على أن أعود يوم الثلاثاء، وهذه الموافقة ساعدتني بفضل الله تعالى على متابعة الدراسات العليا في معهد الدعوة والإرشاد" بكلية أصول الدين ، وإحضار الكتب والمحاضرات التي كان أخي إبراهيم يشتريها ويجهزها من معهد الإعداد والتوجيه، واستمر الأمر كذلك حتى تمكنت من حضور الامتحانات في المعهدين

ثانيًا : كان عدد الطلاب الدارسين في "معهد الإعداد والتوجيه" أكثر من ألف طالب هم خريجو الكليات الأزهرية الثلاث، وكان الامتحان موحدا فلما ظهرت نتيجته لم ينجح من الطلاب بتقدير " جيد جدا " إلا طالب واحد، ... هو أنا ... ؟؟؟

ثالثًا: دخلت امتحانات السنة الأولى بـ"معهد الدعوة والإرشاد"، وكان عدد الطلاب خمس وثلاثين طالبًا منهم أربعة من المصريين وثلاثة عراقيين، وبعد ذلك وصل الاختبار إلى النجاح، .... هو !!!أنا، ...؟؟؟، ويضغط من السفارة العراقية، وكانت العلاقة حسنة بين رئيس مصر والرئيس / عبد السلام عارف أيامها تزداد ثلاث مرات وبقيت النتيجة على ما هي عليه.

ولنجاحها في السنة الأولى في "معهد الدعوة والإرشاد" قصة أحب أن أذكرها، فقد تقدم في الامتحان التحريري خمس وثلاثون طالبًا، ونجحت وحدي في الامتحان التحريري بعد مراجعات متعددة لتصحيح الأوراق، وحصلت على موعد في الامتحان الشفهي.

11
وصرت معيدًا بالجامعة

أنعم الله تعالى علي أن عينت معيدا بقسم الدعوة الإسلامية في كلية أصول الدين بعد تخرجي من الكلية بأربع سنوات، عشت خلالها تغيرات عديدة تغيرت فيها الأمال تبعا لتغير مسار حياتي، وتغير الأماكن التي عملت فيها ، ... وكانت المدة تجربة حاسمة أثرت في نفسي وعواطفي، وكانت عناية الله تعالى معي، فقد عشت خلالها مواقف عديدة مؤلمة، أعانني الله له فيها، فتحملت سوأتها، واجتزت مواقفها المؤلمة، ولولا رحمة الله تعالى لملكني اليأس، وسيطر علي العجز والقنوط ... ومن هذه المواقف :-

١ - أكرمني الله تعالى وحصلت على الإجازة العالية " الليسانس" من قسم الدعوة ، وكنت الأول في الترتيب، وأخذت أتصور قرب تعييني معيدا بالقسم، وإذا بي أفاجأ بعدم تعيين معيدين بقسم الدعوة، وفي عيد العلم يكرم الخريج الأول من كل قسم في الجامعة، وكنت واحدا منهم، ووجدت الأوائل جميعا قد تعينوا معيدين بالجامعة ما عداي ، لأني أول قسم الدعوة، ... ولم يكن اليوم عيدا لي كما هو للآخرين ... وشكوت لزملائي هذا الوضع، فرد علي زميل من خريجي كلية الشريعة وقال لي : يكفيك أنك إمام في وزارة الأوقاف، ... وكانت رحمة الله بي واسعة، فواصلت السير ولم أتوقف .

۲- اختارت وزارة الأوقاف محافظة أسوان مكانا لتعييني برغم حاجتي أن أكون في القاهرة، أو قريبا منها، ولم أيأس، وتقدمت للدراسة في المعاهد الثلاثة التي ذكرتها، وأكرمني الله تعالى بمواصلة العمل حتى اجتزت هذه المرحلة، وانتقلت إلى القاهرة بعد نجاحي في السنة الأولى في معهد الدعوة والإرشاد، ومعهد الإعداد والتوجيه .

٣- حاولت كثيرا التقدم للجامعة لأتعين معيدا، ولم يصادفني توفيق الله تعالى ، وقررت قطع هذا الأمل، واختيار طريق آخر، فقمت باختيار موضوع للدكتوراه يناسب قسم التفسير وهو " الإمام السيوطي وجهوده في التفسير وعلوم القرآن " أملا في أن أتعين في قسم التفسير بعد حصولي على الدكتوراه، وقطعت شوطا في هذا الطريق إلى أن عاد إلى الأمل مرة أخرى، فقد تعينت معيدا بالكلية على نحو عجيب سبق ذكره.

12
الحصول على الدكتوراه

أبدأ بشكر الله تعالى، وتذكر فضله ومنه، وأرجوه أن يديم علي نعمه، ويغفر لي أي ذنب وقعت فيه. لقد مضى من حياتي العلمية زمنا طويلا، فلقد تخرجت من الكلية عام ١٩٦٣م، وواصلت الدراسات العليا، فحصلت على الماجستير بعد ثلاث سنوات، وسجلت الموضوع الأول للدكتوراه، وعشت معه سنة، التقيت خلالها بالمشرف أربع مرات في الكلية، ثم كان الموضوع الثاني بعد تعيني بالكلية، وإشراف فضيلة الدكتور/ أحمد الكومي .

واستمرت فترة إعدادي للدكتوراه أربع سنوات، انتهت في منتصف عام ۱۹۷۰م، فحصلت على الدكتوراه، وعينت مدرسا بقسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين ، وتميزت هذه الفترة بالهدوء الحسن ، والتحصيل العلمي الجيد، وتنظيم الأداء ، حيث الذهاب لدار الكتب والمكتبة الأزهرية، ومكتبة أصول الدين، والمكتبات الفرعية، وهي موجودة بكثرة في أحياء القاهرة، وقد بدأت مع فضيلة المشرف بمناقشة الخطة، وبيان ترابط فصولها، وأبحاثها، وترك ما ليس له ارتباط بالموضوع .

ثم بدأت البحث في جزئيات الخطة مع المشرف، وترتيب الجزئيات والبدء في اكتشاف المراجع المفيدة للجزئية موضوع الدراسة وفق ترتيب الخطة، واستخراج النص من المراجع، وتنسيقها في إطار الجزئية موضوع البحث، وكان فضيلة المشرف يدلني على مراجع أخرى يراها هامة، ويكلفني بالرجوع إليها، وبدء كتابة الجزئية بأسلوب بياني واضحعلى أن يتضمن الأسلوب نصوص المراجع، والإشارة إليها في الهامش وأعاود الكتابة مرة ومرة لاختيار أفضلها، وعرضها على فضيلته في الفترة التي حددها لي معه ، وكان رحمه الله يراجع معي المبحث، أو الفصل، أو الباب بعد تمامه، والتركيز على ترابط فقراته ومساهمتها جميعا في الوصول لهدف المبحث، أو الفصل، أو الباب، وتناسقها مع السابق عنها، وتمهيدها للآتي بعدها، وهكذا كان إشراف أستاذي، وكنت أطيعه، وامتثل كل توجيهاته.

13
وصرت مدرسًا في قسم الدعوة ومعارًا لجامعة الملك سعود بالرياض

بعد حصولي على الدكتوراه بوقت قصير اتخذت الكلية إجراءات تعييني مدرسا بقسم الدعوة، وكنت بذلك أول متخصص في الدعوة يعين بقسم الدعوة الإسلامية، والذي كان يرأسه الدكتور/ أحمد السيد الكومي إضافة إلى رئاسته لقسم التفسير، وركزت بعد تعييني في إخراج عدد من الكتب المتصلة بالدعوة، وقررتها على الطلاب، ومنها:( قواعد الخطابة وفقه الجمعة والعيدين - الدعوة في عصر النبوة - وسائل الدعوة في العصر الحديث - البدع بين الماضي والحاضر - اليهودية - النصرانية)

وقصدت بهذه التأليف إثبات أن قسم الدعوة قسم علمي له هويته ، وعلومه التي يقوم عليها، ويتم بها ولم يدم الأمر طويلا ، فتعين بالقسم إخوة من المعيدين الذين حصلوا على الدكتوراه فيما بعد من قسم الدعوة، وسعدت كثيرا بما كتبت، وفي يوم ذهبت للجامع الأزهر، فرأيت طلابا يمسكون ببعض كتبي للمذاكرة والحفظ، فسجدت الله شكرا بأن صارت كلماتي، وكتبي محل اهتمام طلاب الكلية وهم يستعدون للاختبارات .

وبالرغم من أن القانون يمنع المدرس من التأليف قبل سنتين من تعيينه، وعليه أن يعتمد على مؤلفات الأساتذة، إلا أن عدم وجود مؤلفات المقررات القسم حتم علي التأليف، فلما سألني عميد الكلية عن الكتب أخبرته بأني لم أجد كتابا يصلح للطلاب، فكتبت، وطلبت منه أن يراجع مؤلفاتي ليرى مطابقتها للمنهج المقرر، فراجعها ورضى بها .

استمر عملي في القسم سنتين بعد حصولي على الدكتوراه، وبدأت مع غيري نبحث عن الإعارة في الدول العربية، وبخاصة ليبيا، ودول الخليج، وفوجئت بأن الجامعات العربية ليس بها تخصص للدعوة ولذلك طلبت أساتذة ومدرسين من كل تخصصات الجامعة ما عدا تخصص الدعوة لعدم حاجتها إليه.

14
رئاسة قسم الدعوة بكلية أصول الدين بالقاهرة

عدت إلى القاهرة بعد انتهاء الإعارة ، وفيه ثلاثة مدرسين هم : -الدكتور/ إبراهيم نجيب - الدكتور/ حسن عيسى عبد الظاهر - الدكتور/ عمارة نجيب، وكان يتولى رئاسة القسم الدكتور/ إبراهيم نجيب، ولم يكن بينه وبين عميد الكلية توافق، فكلفني عميد الكلية الدكتور/ موسى شاهين لاشين بعمل رئيس القسم، عقب استلامي للعمل بعد عودتي من الإعارة.

فتفاهمت مع الدكتور/ إبراهيم نجيب على أن يستمر معي في مكتب رئيس القسم ، ونشترك سويا في الإدارة ، ونعتبر القسم في اجتماع دائم ندرس فيه كل قضايا القسم، ونتناقش في كل أموره مع أعضاء القسم كلما جد أمر، ونتخذ قرارا فوريا بشأنه، على أن أجمع القرارات في محضر واحد شهريا نعده محضر القسم الشهري، وقد رأيت هذا أنسب المصلحة القسم، لأستفيد بخبرة الدكتور| إبراهيم نجيب، فلقد قضى عمره في الأعمال الإدارية بالجامعة، وصلته وثيقة بالمسئولين في الجامعة وأعضاء القسم قليلون، وأخذ آرائهم في قضايا القسم يوميا يرضيهم، ولا يضيع وقتهم، فليس فيهم خبير في الإدارة، والأفضل للقسم اشتراك جميع أعضائه في إدارة القسم ، وبخاصة أن مناهج القسم لم تحدد بعد، مع محاولة إدارة الكلية السيطرة على شئون القسم و إخضاعه لما ترى.

15
إنشاء كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة ودوري معاها

تولى مشيخة الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الحليم محمود واعتمد منهج نشر التعليم الديني في مصر والعالم العربي والإسلامي ورأى فضيلته ضرورة إنشاء المساجد، والمعاهد التي تنشر الإسلام بين الناس وتدعمه علميا، وعمليا، وقرر ضم أي مسجد يبنى إلى وزارة الأوقاف بموظفيه، وضم أي معهد ينشأ للبنين والبنات إلى إدارة الأزهر بموظفيه، وبدأ في إنشاء فرع لجامعة الأزهر في وسط الدلتا ، يضم كلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، وكلية الدعوة الإسلامية، واختار الدكتور/بركات دويدار عميدا لكلية الدعوة ، كما اختار الدكتور / رعوف شلبي وكيلا للكلية، واستصدر فضيلته قرارا وافق عليه المجلس الأعلى للتنظيم والإدارة يقضي بإنشاء كلية ثانية للدعوة بمدينة القاهرة، يكون مقرها مؤقتا في مبنى كلية أصول الدين، وكان في نيته أن يتولى العمادة فيها الدكتور/ رءوف شلبي، وكان يحبه ويثق فيه لحميته الدينية ونشاطه في الدعوة .

إلا أن الدكتور/ موسى لاشين لم يرض بهذا القرار، فأخذه من المسئولين ووضعه في درج مكتبه، وسكت عنه، وبعد سنتين من هذا القرار رغب رئيس الجمهورية السيد/ أنور السادات في إنشاء كلية أزهرية في عاصمة محافظة المنوفية تكون نواة لفرع جديد يضم كليات الأزهر، رحب فضيلة الدكتور/ عبد الحليم محمود بهذه الرغبة، وأبدى استعداده لافتتاح كلية للدعوة بشبين الكوم، وهنا اعترض المجلس الأعلى للتنظيم والإدارة ، لأنه سبق وأن وافق على إنشاء كلية الدعوة بالقاهرة، ولم تظهر ، ولا يصح له الموافقة على كلية جديدة إلا بعد إنشاء الكلية التي سبق أن وافق عليها ، أو أن يتعهد المسئولون في جامعة الأزهر بإنشاء كليتين للدعوة معا في وقت واحد أحدهما في القاهرة ، والثانية بشبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية.

16
في رحاب مكة المكرمة

انتهت إعارتي بجامعة الملك سعود بالرياض، وعدت إلى مصر، وتوليت رئاسة قسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، وقمت بتأسيس كلية الدعوة الإسلامية وإدارتها على نحو ما سبق بيانه، وبعد مرور ثلاث سنوات على مجيئي إلى القاهرة أعيرت زوجتي إلى جامعة الملك عبد العزيز بفرعها الخاص للبنات في مكة المكرمة، فصاحبتها مرافقا لها، وتعاقدت مع فرع الجامعة بمكة المكرمة للعمل بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية الذي أنشئ في كلية الشريعة، وسافرت إلى مكة المكرمة مع الأسرة، وكانت مكونة يومئذ من زوجتي وأولادي منال ومحمد، وأمل، ومحمود، والحسن والحسين، وإيمان، ورزقت وأنا في مكة بأولادي عبد الرحمن، وإبراهيم، وعبد الله .

والحمد لله رب العالمين فقد أكرمني الله بالعمل في مكة المكرمة، وأعطاني فيها الخير، والمنن، والنعم، ونجاني من الضيق والكيد والخصومة، ومكنني من تربية أولادي في حرمه الأمن، ويسر لي تحفيظهم القرآن الكريم في جنبات البيت الحرام، وأمام الكعبة المشرفة، لقد كنت أصطحب زوجتي وأولادي إلى الحرم كثيرا، نطوف، ونصلي، ونقرأ القرآن الكريم، ونجهز الدروس، ويطوف الأولاد معنا حتى صار الحرم لهم بيتا ومأوى .

17
العودة إلى كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة

عدت إلى القاهرة بعد غياب عنها استمر اثنين وعشرين عاما ، ورغبت في الراحة من المشقة التي عشتها في مكة ، فلم اشتغل بعلم، ولم أفكر في بحث، ولم أذهب إلى الكلية ، ووكلت الأعمال الاقتصادية إلى أبنائي، فقد تخرج محمد، ومحمود وأخذا في العمل الحر، والإشراف على العمل في عمارة النصر، ومعهم إخوتهم، واستمر هذا الحال عامين، واكتفيت بسؤالهم عن نتائج أعمالهم .

وفوجئت بعد العامين بأن أرسل لي الأستاذ الدكتور/ حلمي صابر عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة رسولا من قبله يعتب علي عدم حضوري للكلية ، وعدم تقديم طلب لأتعين بها ، وكنت أظن أن التعيين في الكلية مرة أخرى مستحيل بعد أن استقلت منها ، وعشت في جامعة أم القرى هذه المدة الطويلة .

فذهبت إلى الكلية، وقابليات وكيل الكلية الأستاذ الدكتور/ علي عبد العال لمرض فضيلة العميد ، فعتب علي هو الآخر، وطلب مني التقدم بطلب إلى الكلية، وبين لي ضرورة ذلك لما لي من دور في إنشائها، والمحافظة عليها، ومن فضل الله علي أن جميع المسئولين في الكلية من الدفعة الأولى التي قمت باختيارها .

فاستأذنته أن أقابل مدير الجامعة قبل أن أقدم طلبا للكلية، لأني لا أحب أن توافق الكلية على تعييني، وترفض الجامعة - كما كنت أتصور، وذهبت إلى مدير الجامعة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم ، وأخبرته برغبتي في العودة إلى العمل بكلية الدعوة الإسلامية، فهل يوافق فضيلته، فرد علي ردا جميلا، وقال لي: لو كان القانون بيدي لأصدرت تكليفا لك للعمل بالكلية الآن، إلا أن شيخ الأزهر فضيلة الشيخ/ محمد سيد طنطاوي قرر عدم قبول العائدين إلى كلياتهم السابقة إلا كأساتذة غير متفرغين. 

فقلت له: لا يهمني أن أكون متفرغا أو غير متفرغ ، فعرفني بأنه موافق على عملي في الكلية. فرجعت إلى الكلية وقدمت لها طلبا للتعيين في وظيفة أستاذ غير متفرغ ، فوافق مجلس الكلية على طلبي، ورفعه إلى مجلس الجامعة ، فوافق هو الآخر ، وصدر قرار من مدير الجامعة بتعييني أستاذا غير متفرغ بكلية الدعوة الإسلامية بعد تقديم الطلب بشهر تقريبا .

18
الحياة في القاهرة

لله در أيام عشتها في مكة المكرمة، مكنني الله تعالى خلالها من أداء الواجب على أكمل وجه، وأحسنه في سائر المسئوليات، ولم أر في حياتي ما يبعدني عن هذا الواجب، فلم أغادر البيت بعد الثانية ظهرا إلا للصلاة، أو للذهاب مع الأسرة إلى الحرم الشريف، ومكثت بين أولادي طول الوقت، أخدمهم، وأدرس لهم، ولا أبتعد عنهم إلا فترة تحضير الدروس التي تستغرق وقتا قصيرا .

فلما رجعت إلى مصر تغير الحال تغيرا كليا، فقد كبر الأبناء، وانتسبوا للجامعات، ولم أعد أستطيع متابعاتهم، وكثرت الأعمال فأوكلتها إلى الأبناء، ... ولم يعد لي من عمل في اقتصاد الأسرة إلا الإشراف العام، والتوجيه من بعيد، ورجعت إلى الكلية، ونشطت في الدراسة والبحث، وحرصت على تعويض المدة السابقة التي خلت من الكتابة والتأليف، وأخذت الحياة في القاهرة شكلا جديدا مختلفا عن الحياة في مكة بصور عديدة .

لقد كنت في مكة محاطا بالاحترام والتقدير، إن قابلني أحد أولياء الأمور، أو تعاملت مع الكلية أو القسم، إلا أنني في مصر بدأت أرى من الناس تصرفات غير سوية أعانني الله فيها، وعوضني كثيرا عما كان يضيع مني وفي مكة كنت أقوم بالعمل كله، و في مصر بعدت عن مشاكل العمل اليومية، وتركتها للأولاد، وتفرغت للعبادة، والبحث، والدراسة راجيا من الله تعالى التوفيق والسداد، وفي مكة كان منهج النشاط اليومي محدد المعالم، فقد وزعته بين الجامعة، والأولاد، والأسرة أما في مصر فقد كبر الأولاد ، وانتسبوا للجامعات، ولم أعد استطيع متابعة دروسهم، وصار لهم أصحاب وأصدقاء لا أعرف كثيرا منهم فاكتفيت بالنصح والتوجيه من بعيد، وكنت أكثر ملازمة لمحمد لأنه كان يذير الحركة الاقتصادية مع محمود، ويوجه أخوته عندما يحتاج لشيء منهم. حاول محمد مواصلة الدراسات العليا، وتسجيل رسالة الماجستير في التحاليل الطبية، إلا أنه انصرف منها بعد أن قطع شوطا فيها لكثرة العراقيل التي صادفها فيها.

19
الموجز

تشير ذكرياتي التي كتبتها إلى قصة حياتي التي بدأتها في القرية وأنا اليوم مع أولادي في القاهرة ، وفيها بيان موجز يؤكد الحقائق التالية

أولاً : الأمر كله بيد الله تعالى ، يصرفه كما يشاء، ولا يمكن لعقل الادعاء بتحكمه في أي أمر يتصل به ، ومعرفة نتيجته عند بدايته ، وما أصابني في حياتي يؤكد ذلك .

ثانياً : الإنسان عبد محدود، وعليه أن يعمل ويجتهد، وخير له أن يسلم أمره الله تعالى يدبره، ويحكم له ، وهو خير الحاكمين

ثالثاً : الإنسان مخلوق حادث ، محدود، عاجز، وجد بعد عدم ، ولا يمكنه اختراق حجب الغيب من حوله، وعاجز عن تحديد مستقبله ، ودفع السوء عنه، والاعتراف بذلك واجب على الإنسان ليؤمن بالحقيقة الثابتة، وهي الإيمان بالله تعالى القوي القدير

رابعاً: كل الشواهد والدلائل تثبت وجود موجد للكون بما فيه من مخلوقات، وهو الله تعالى، وحياتي في جملتها تدور في فلك عبد عرف مقام سيده الذي أكرمه، وفضله، وتحتم ضرورة استمرار هذا العبد في الخضوع والطاعة لسيده العظيم ، وهو الله رب العالمين .

وأقر في نهاية ذكرياتي بكل رضى بأني عبد لربي ، خلقني، ورزقني، وأعانني، ووفقني، وأسأله سبحانه أن يديم على نعمه، ويستمر عطاؤه ، وأن يتولى أمري كله فهو نعم المولى، ونعم النصير .

20
الأمل

ويمضي الزمن، ويسير كل إنسان لأجله ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكِيبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ)، ويبقى الأمل في الله تعالى ، وأسأله سبحانه :
- أن يحيني ما دامت الحياة خيرا لي، وأن يأخذني إليه إذا كان الموت خيرا لي .
- وأن يقبضني إليه وأنا متمتع بصحتي، وعافيتي .
- وأن يتقبلني عنده بقبول حسن .
- وأن يبارك في ذريتي وأولادي
- وأن يكافئ كل من ساعدني في عملي وعلمي بصفاء وإحسان .
- وأن يختم لي بخاتمة الحسنى .
-  وأن يجعل آخرتي خيرا من دنياي
- وأن يرد عني خصومة الضالين .
- وأن يديم فضله على ما حييت

فهو حسبي ونعم الوكيل

21
كلمة في الختام

أحمد الله تعالى أن أعانني على كتابة هذه الذكريات، وجعلني أعي أحداثها كما وقعت، وأنسى ما لم أتذكره، وفي الختام أحب تسجيل بعض الملاحظات :

أولاً : لم أقصد بأي حدث ذكرته الإشارة إلى مقصد من شاركني فيه، لأن المقاصد نوايا قلبية لا يعلمها إلا الله تعالى ، وإني أقص الحدث كما وقع، وما خفي لا دخل لي به، ولا أدعي علمه فهو عند الله العليم الخبير

ثانياً: التمس العذر لكل من كان له موقف أختلف فيه معي، وأتصور له سببا، أو أسبابا تجعله صاحب حق في موقفه، ولا لوم عليه مني .

ثالثاً: من الضروري حمل كافة أحداث هذه الذكريات على ظاهرها وقت حدوثها، وعدم التعليق عليها أو استنتاج أمور تتعلق بها ، فقد انتهت تماما، وحدث ما حدث فيها، ولم يعد لها في النفس ارتباط ، وحافظ العقل عليها لتذكرها، والاستفادة بها كتجارب شخصية ذات دلالات عديدة تفيد المسار الإنساني بصورة عامة

رابعاً: أتمنى من هذه الذكريات تحقيق أمورا عدة في جوانب عدة، أتمنى من أولادي أن يحيطوا بالمسار الذي عشت فيه، ويروا رحمة الله بي، وعونه لي، وتوفيقه معي في صحتي، وعملي، وعلمي ونجاحي، وكسبي، ... ليستمر إيمانهم بالله المعطي، فكل ما أنا وما هم فيه قدر إلهي خالص، فلقد خصني الله تعالى بالعمل الدءوب،  والجهد المستمر منذ صغري، والحاجة إليه في كل موقف، ووفقني للتعلم، وفتحلي أبواب الخير كما يشاء، ... فلما بدأت حياة العلم تفتحت أبواب فضل الله على سعتها ، فأديت الواجب كما هو مطلوب ، وربحت المال وأنا لا ادري ، وباشرت الأعمال الاقتصادية والأسرية ، والعلمية بكفاءة يشهد لها الواقع الذي مضى ، وآثاره في .الحاضر المشاهد 

وأتمنى من أولادي أن يعيشوا هذه الحقائق، ويستمروا على استقامتهم الدينية والخلقية، ويحافظوا على حقوق الله، وحقوق الناس، وأن يربوا أولادهم على الإسلام ليستمر فضل الله عليهم، ويبارك لهم في كل ما يملكونه ويزيد.

وأتمنى من أبناء بلدي " منية مسير " أن يحافظوا على حق بلدهم عليهم، ويساهموا في نهضتها، ويتماسكوا ويتحدوا على الخير والمصلحة ويعلموا أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم وأتمنى لمنتسبي كلية الدعوة الإسلامية أن يراقبوا الله تعالى في عملهم، فهم في مسجد من مساجد الله، وأداء الواجب فيه ضرورة دينية، ولا يصح أن يوكل إليهم شأن إسلامي ويفرطوا في واجبه

ولا تخرج حياتي عن هذا المنهج ، وليس لي ذكريات فيه .وأخيرا : استودع الله كل من عاشرت وعايشت الدين، والأمانة، والعمل الصالح، والدعاء بظاهر الغيب، والله ولي التوفيق

كان الانتهاء من كتابة هذه الذكريات في فجر يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الأول سنة ١٤٣٨ هـ، الموافق أول ديسمبر سنة ٢٠١٦م ... والحمد لله رب العالمين

الى الاعلى