الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد .. فإني أقر بعظم فضل الله علي، فقد غمرني بالنعم الكثيرة، وأمدني بالمنن الوفيرة، والعطاء الجزيل التي أعجز عن عدها وحصرها، فقد أتاني بسطة في الجسم، والمال، والعلم ... ومكنني من تحويل فكري وعلمي إلى كتب مسطورة وأسفار مطبوعة، فصارت شيئا بين يدي كل راغب في قراءته، وسماعه، والإطلاع عليه ... وإني على يقين بأن كثيرا من علم كثير من العلماء يضيع بسبب عدم تدوينه، والتقصير في إيصاله إلى راغبي القراءة والتعلم، مع ما فيه من علم نافع وفكر دقيق. ولعل أعظم نعم الله علي أن جعلني أحد الباحثين الذين تخصصوا في علوم الإسلام والدعوة إليه، على غير ما كنت أنشده في صغري ... ووضعني الله تعالى في موضع الريادة العلمية لهذا التخصص من خلال ما وكل إلى من عمل إداري وعلمي في جامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الملك سعود بالرياض، وقد أحاطني الله بثلة من العلماء أعانوني في كل موقع عملت فيه وهذا فضل أكرمني الله تعالى به ، وأسأل الله تعالى أن يعينني على دوام حمده، وحسن الثناء عليه بما هو أهل له، وأن يذكرني بكل من له فضل علي، وأن يجعلني عبدا شاكرا لفضله ، ذاكرا لعفوه ، ذليلا خاشعا أمام حوله وقدرته، وأن أصير أرضا خصبة، تستقبل العطاء وتخرجه ثمرا وزرعا ، فتنفع نفسها وغيرها .. إن حياتي كلها معونة إلهية واضحة، وفيض رباني خالص، فقد غمرني الله بالنعم بلا مقدمات مني، وهذا حال أشكره سبحانه عليه، وأذكره حمدا لفضله، وثناء على ما قدره لي ... راجيا منه سبحانه ما يلي : -
أولاً : أن يمكنني من التغلب على وساوس الشيطان ونزغاته التي تعتريني في حياتي الفكرية والعملية ، وأشعر معها بتشتت الفكر، وتعارض السبل، فبرحمته سبحانه تتم الصالحات، وبمعونته تنقمع الوساوس، وتنهزم خفافيش الأرجاس من الجنة والناس. إن القوة الحقيقية، والانتصار الصادق لا يتحقق إلا بذكر الله تعالى، واللجوء إليه، وخلالها يشعر المؤمن برحمة الله تعالى، ووده، وقدرته ، وأملي في الله أن لا يدعني لنفسي طرفة عين، وأن يحيطني دائما بمعونته، وتوفيقه.
ثانياً : أن ينفع الله تعالى بمؤلفاتي طلاب العلم، ليتقنوا مفاهيم الوحي قرآنا وسنة، ويعلموا أخبار السلف الصالح، وما فيها من لآلئ ودرر، فما رغبت العمل في غيرها، ولم أؤلف في سواها، ووجهني ربي كما أراد فحصرت ما كتبت في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة المشرفة، وتاريخ الإسلام في عصر النبوة والخلفاء الراشدين، وأبرزت عظمة الإسلام مقارنا بالأديان والمذاهب الأخرى، وبينت طرق الدعوة إليه، وبعض النظم التي شرعها سبحانه للناس وقد حاولت في مؤلفاتي كلها استنباط الدروس والعبر، وإسقاطها على الواقع المعاصر من خلال توضيح الركائز المستفادة ، وبيان الفوائد النافعة.
ثالثاً : أن يعلم كل من يقرأ لي، أو يعرفني حاجتي إلى النقد الموضوعي سواء كان لي أو علي، وأعلن مسبقا بأني سعيد بأي نقد، وأؤكد اهتمامي به والاستفادة منه بعد تحليله ، ... لأن اليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه كثير بغيره، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... وخير لي أن يشترك معي غيري من العلماء في دراسة موضوع ديني واحد، لأن ذلك يعني اشتراك أكثر من عقل في موضوع واحد ... وهذا ما أرجوه وأتمناه، وقد ناديت به في أغلب مؤلفاتي، لأن العلم بين الناس لا يعرف الكلمة الأخيرة، ودائما يستفيد اللاحق بمن أتى قبله، ويمهد لمن يأتي بعده، وتستمر الأجيال هكذا في تتابعها وتطورها ، والخير كل الخير في الاستفادة بكل جديد في إطار الضوابط الشرعية .