Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

ركائز الدعوة والإيمان بشرح أحاديث اللؤلؤ والمرجان - الجزء التاسع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد .. فإني أقر بعظم فضل الله علي، فقد غمرني بالنعم الكثيرة، وأمدني بالمنن الوفيرة، والعطاء الجزيل التي أعجز عن عدها وحصرها، فقد أتاني بسطة في الجسم، والمال، والعلم ... ومكنني من تحويل فكري وعلمي إلى كتب مسطورة وأسفار مطبوعة، فصارت شيئا بين يدي كل راغب في قراءته، وسماعه، والإطلاع عليه ... وإني على يقين بأن كثيرا من علم كثير من العلماء يضيع بسبب عدم تدوينه، والتقصير في إيصاله إلى راغبي القراءة والتعلم، مع ما فيه من علم نافع وفكر دقيق. ولعل أعظم نعم الله علي أن جعلني أحد الباحثين الذين تخصصوا في علوم الإسلام والدعوة إليه، على غير ما كنت أنشده في صغري ... ووضعني الله تعالى في موضع الريادة العلمية لهذا التخصص من خلال ما وكل إلى من عمل إداري وعلمي في جامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الملك سعود بالرياض، وقد أحاطني الله بثلة من العلماء أعانوني في كل موقع عملت فيه وهذا فضل أكرمني الله تعالى به ، وأسأل الله تعالى أن يعينني على دوام حمده، وحسن الثناء عليه بما هو أهل له، وأن يذكرني بكل من له فضل علي، وأن يجعلني عبدا شاكرا لفضله ، ذاكرا لعفوه ، ذليلا خاشعا أمام حوله وقدرته، وأن أصير أرضا خصبة، تستقبل العطاء وتخرجه ثمرا وزرعا ، فتنفع نفسها وغيرها .. إن حياتي كلها معونة إلهية واضحة، وفيض رباني خالص، فقد غمرني الله بالنعم بلا مقدمات مني، وهذا حال أشكره سبحانه عليه، وأذكره حمدا لفضله، وثناء على ما قدره لي ... راجيا منه سبحانه ما يلي : -

 أولاً : أن يمكنني من التغلب على وساوس الشيطان ونزغاته التي تعتريني في حياتي الفكرية والعملية ، وأشعر معها بتشتت الفكر، وتعارض السبل، فبرحمته سبحانه تتم الصالحات، وبمعونته تنقمع الوساوس، وتنهزم خفافيش الأرجاس من الجنة والناس. إن القوة الحقيقية، والانتصار الصادق لا يتحقق إلا بذكر الله تعالى، واللجوء إليه، وخلالها يشعر المؤمن برحمة الله تعالى، ووده، وقدرته ، وأملي في الله أن لا يدعني لنفسي طرفة عين، وأن يحيطني دائما بمعونته، وتوفيقه. 

ثانياً : أن ينفع الله تعالى بمؤلفاتي طلاب العلم، ليتقنوا مفاهيم الوحي قرآنا وسنة، ويعلموا أخبار السلف الصالح، وما فيها من لآلئ ودرر، فما رغبت العمل في غيرها، ولم أؤلف في سواها، ووجهني ربي كما أراد فحصرت ما كتبت في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة المشرفة، وتاريخ الإسلام في عصر النبوة والخلفاء الراشدين، وأبرزت عظمة الإسلام مقارنا بالأديان والمذاهب الأخرى، وبينت طرق الدعوة إليه، وبعض النظم التي شرعها سبحانه للناس وقد حاولت في مؤلفاتي كلها استنباط الدروس والعبر، وإسقاطها على الواقع المعاصر من خلال توضيح الركائز المستفادة ، وبيان الفوائد النافعة. 

ثالثاً : أن يعلم كل من يقرأ لي، أو يعرفني حاجتي إلى النقد الموضوعي سواء كان لي أو علي، وأعلن مسبقا بأني سعيد بأي نقد، وأؤكد اهتمامي به والاستفادة منه بعد تحليله ، ... لأن اليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه كثير بغيره، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... وخير لي أن يشترك معي غيري من العلماء في دراسة موضوع ديني واحد، لأن ذلك يعني اشتراك أكثر من عقل في موضوع واحد ... وهذا ما أرجوه وأتمناه، وقد ناديت به في أغلب مؤلفاتي، لأن العلم بين الناس لا يعرف الكلمة الأخيرة، ودائما يستفيد اللاحق بمن أتى قبله، ويمهد لمن يأتي بعده، وتستمر الأجيال هكذا في تتابعها وتطورها ، والخير كل الخير في الاستفادة بكل جديد في إطار الضوابط الشرعية .

01
كتاب القدر

من أركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، والقدر (بفتح القاف والدال )معناه التسليم بأن كل ما يقع مقدر عند الله تعالى منذ الأزل وفق علم الله تعالى ومراده سبحانه وتعالى، فأي شيء يقع على حال ما، وفي وقت ما يكون بتقدير الله وفق صفتي العلم والإرادة القديمتين الأزليتين، والقضاء هو حكم الله تعالى الكلي الأزلي، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله ، وسبيل معرفة القضاء والقدر التوقيف الثابت عن رسول الله ﷺ بالوحي المنزل قرآنا وسنة، ولا دخل للعقل والقياس والرأي فيه، فهو من الغيب الذي يجب الإيمان به، وعدم البحث عن كيفيته، وعدم الابتداع في السؤال عن هيئته وسبله لأن القدر سر من أسرار الله تعالى اختص به ذاته، وضرب دونه الأستار، وحجبه عن عقول الخلق، فلم يعلمه نبي مرسل ، ولا ملك مقرب.

والمسلم الفطن لا يخوض في القدر طاعة لرسول الله ﷺ وهو يقول : 
ـ ما رواه ابن مسعود ) أن النبي ﷺ قال : إذا ذكر القدر فأمسكوا).
ـ ما أخرجه مسلم عن طاوس ﷺ أنه قال : ( أدركت ناسا من أصحاب رسول الله ﷺ، يقولون كل شيء بقدر )

وهذه الأحاديث مطابقة لقوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَهُ بِقَدَرٍ )،
وقوله تعالى : ( وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ، وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) ومذهب أهل السنة والجماعة أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى، وهذا يستلزم الرضا والتسليم بما قدر الله تعالى.

02
باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته

(1)حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ له قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقُ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةَ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كَتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَل أَهْلِ الْجَنَّةِ.
(2)حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكِ الله عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ : يَا رَبِّ نُطْفَةً ، يا رَبِّ عَلَقَةً، يَا رَبِّ مُضْغَةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرْ أَمْ أُنثى، شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
(3)حديث علي الله قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةً، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمُخْصَرَتِهِ ثُمَّ .. قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِينَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً.

03
كتاب العلم

لكل شيء حقيقة ثابتة، وإدراكها هو العلم، وقد بين العلماء أن العلم يعني إدراك العقل حقيقة ما يراه ويفكر فيه أيا كان كنهه، وقيمته .... والعلم بمفهومه العام يلازم الإنسان العاقل، ويمكنه من معرفة حقائق القضايا التي تحيط به فالزارع البسيط يعلم زراعة أرضه، ووقت الزراعة، ونوع المزروع، ونظام الري والحصاد ... ومثل الزارع يعلم كل إنسان مجاله، ومحيطه، وما تخصص فيه، ولذلك قال العلماء لا يحتاج المعلوم إلى العلم، وفضل العلم عظيم، لأن معرفة الحق تؤدي إلى التمسك به، وتحسين الأعمال، والأقوال، وتطهير النوايا والأحوال، يقول الله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ امَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتِ )، وهذه الآية تدل على أن الله تعالى يرفع المؤمن العالم على المؤمن غير العالم، لأن رفعة الدرجات تدل على الفضل، ورفع الدرجات تشمل الجوانب المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة، وحسن الصيت، وسداد العمل، وتشمل الدرجات الحسية في الآخرة بعلم المنزلة في الجنة ... ومن فضل العلم أن الله تعالى أمر رسوله بطلبه، والدعوة إليه، فقال له: ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم، والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمور دينه في كل عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص  ومدار العلم الشرعي على التفسير والحديث والفقه والدعوة إلى الله تعالى.

04
باب النهي عن اتباع متشابهه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن

(1)حديث عَائِشَةَ هَا قَالَتْ : تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ مِنْهُ وَايَاتُ مُحْكَمَتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَةٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبَّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ).
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ .
(2)حديث جُنْدَبِ اللهِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ، فَقُومُوا عَنْهُ.

05
كتاب الذكلر والدعاء

جمع الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم بين الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار وجعلها عنوانا واحدا في كتاب واحد ، إلا أنه خص التوبة والاستغفار بعد ذلك بكتاب آخر ، وهذا ما جعلني أقسم الكتاب إلى كتابين :
أولهما : كتاب الذكر والدعاء .
وثانيهما : كتاب التوبة والاستغفار .
وبدات بالكتاب الأول الخاص بالذكر والدعاء حيث جاءت أولا في صحيح مسلم .
والذكر استحضار قدرة الله والثناء عليه بما هو أهله، وشكره على نعمه وأفضاله، وحمده في كل حال،
وقد أمر الله تعالى المسلم بذكره ، فقال : ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ). 
وقال : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ). 
ومن صفات المؤمنين أنهم يذكرون الله دائما ، ويقرون بآلائه ونعمه ، يقول الله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتِ لِأُولِ الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ).

06
باب الحث على ذكر الله تعالى

حديث أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلا ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.

07
باب دعاء الكرب

حديث ابْنِ عَبَّاسِ عْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لا إله إلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.

08
كتاب التوبة والاستغفار

التوبة في اللغة تعني ترك الذنب، والرجوع عنه، وفي الاصطلاح ترك الذنب لقبحه، والندم على فعله ، والعزم على عدم العود إليه، ورد المظلمة إن كانت موجودة وثابتة، أو طلب البراءة من صاحبها، وطلب البراءة هو أبلغ صور الاعتذار ، لأن المعتذر إما أن يقول: لم أفعل، ولا يصدقه المعتذر له، ويأخذ في اللجاج ... وإما أن يقول: فعلت كذا بسبب كذا، فيقر بالفعل ويعتذر بالسبب ، وهو فوق الأول .... وإما أن يقول: فعلت، وأسأت، وقد أقلعت ... وهذا منتهى الاعتذار، والتوبة تعني اختيار ترك ذنب سبق حقيقة، أو تقديرا لأجل الله تعالى ، وهذا يشمل الترك والندم ، والعزم على عدم العودة بإخلاص صادق الله تعالى، والتوبة تكون من الكفر بالإيمان فتقبل ، وتكون من المعاصي وتقبل حين يهجر صاحبها المعاصي، ويندم ويعزم على عدم العود إليها .

ومن شروط صحة التوبة : الندم وترك المعصية ، والعزم على عدم العودة إليها ، ورد المظلمة، وأداء ما ضيع من الفرائض ، وان يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب ، وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية، ومن شروط كمال التوبة مفارقة مكان وقوع الذنب، وهجر رفقاء السوء، وأن يشغل التائب وقت فراغه بالصلاح والتقى ... وأن تكون قبل أن يصل الإنسان للغرغرة، وقبل وقوع إحدى علامات الساعة الكبرى مثل طلوع الشمس من مغربها، والله هو التواب الرحيم ، ومعنى ذلك أنه سبحانه يعود على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته ، وندم على معصيته ، فلا يحبط عنه ما قدمه من خير، ولا يحرمه مما وعده به.

09
باب في الحض على التوبة والفرح بها

(1)حديث أبي هُرَيْرَةَ و قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملا ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.
(2)حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ و عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً، وَبِهِ مَهْلَكَةً، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ ، فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتْهُ عِنْدَهُ. 
(3)حديث أنس له قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ.

10
كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

المنافقون هم أناس يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر إن كانوا مع المؤمنين وذلك لضعفهم وخوفهم ، ولذلك لم يظهروا إلا في المدينة بعد الهجرة ، يقول الله تعالى عنهم : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ . يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )، أما من يظهر الكفر ويبطن الإيمان فإنه لا يعد منافقا لقوله تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَينَ بِالْإِيمَانِ )، والمنافق خطر على المسلمين ، لأنهم يرونه صادقا ، ويعدونه واحدا منهم ، ويغترون بكلامه ، وصورته ، وهو في الحقيقة عدو مستتر يمد يده لأعداء الإسلام ، ويصافي الضالين والكفار ، وينمق حديثه وصورته، يقول الله تعالى عنهم : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَأَحْذَرْهُمْ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). 
إن المنافق كذوب، ويحلف على صدقه ، ولذلك حذر الله تعالى من التعامل معهم، فقال تعالى : ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ )وكان الله تعالى يخبر رسوله بالمنافقين فيحذرهم ، واليوم يحتاج المسلمون إلى تتبع أقوال وأفعال من به نفاق ليحذروه ، ويتركوه ، فهم ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَبِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ).

11
كتاب صفة القيامة والجنة والنار

يسمي الله تعالى اليوم الآخر بأحد مشاهده ، فيسميه بالبعث ، والقيامة، والنشر، والحشر، والحساب، والدين، والواقعة ، والندامة، والصاخة ... الخ ومن المعلوم أن الدنيا تنتهي بنفخة الصور الأولى ، ويبدأ اليوم الآخر بالنفخة الثانية ، يقول الله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ )...إن الله تعالى يبعث من في القبور ، وينشرهم في السكك سائرين على أرض المحشر، ويحشرهم إلى موطن الحساب، ويجمع الخلائق للحساب والجزاء فينصب الميزان ، ويحاسب الخلائق، ويعطي كل إنسان كتابه بيمينه إن كان محسنا، وبشماله إن كان مسيئا ، لينتهي حال الناس إلى الجنة أو إلى النار. 
في الآخرة يرى كل إنسان عمله الذي عمله في الدنيا ، ويأخذ كتابه عند حسابه ويقرأه كلاما ، ويراه صورا ، ويقول الله تعالى له : ( أَقْرَأْ كِتَبَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ).

12
باب الجنة وصفة نعيمها وأهلها

(1)حديث أَبِي هُرَيْرَةَ وَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ.
(2)حديث أبي هُرَيْرَةَ هُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : قَالَ اللهُ تعالى: أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةٍ أَعْيُنِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).

13
الفتن وأشراط الساعة

الفتن جمع فتنة وأصلها تنقية الذهب بإدخاله في النار لإظهار الجيد من الردئ، وإزاحة ما علق به، والفتنة في حياة الناس آلام وأخطار توصل في النهاية إلى نقاء الجوهر ، وإزاحة الغبش والفساد، وتطلق الفتنة على العذاب، ومنه قوله تعالى: ( ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ )، وتطلق على الاختبار ومنه قوله : ( وَفَتَنَّكَ فُتُونَا )، وتطلق على الرخاء والشدة التي يتعرض لها الناس، ومنه قوله تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )، وقوله تعالى: ( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) أي كادوا أن يوقعوك في بلية وشدة تصرفك عن العمل بما أوحى الله إليك، والفتنة تكون في الأعمال ، والأقوال ، والأحوال ... فإن كانت من الله تعالى فهي على وجه الحكمة والاختبار وإن كانت من العبد كالبلية والمصيبة ، والقتل، والعذاب، والمعصية ، وغيرها من المكروهات فهي مذمومة .

14
باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج

(1)حديث زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرِّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا .
قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةً جَحْشِ : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟
قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ.
(2)حديث أبي هُرَيْرَةَ وله عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مِثْلَ هَذَا وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ.

15
التعريف بالدجال

الدجال هو الرجل الذي سيظهر عند نهاية الدنيا ، قرب قيام الساعة ويدعي الألوهية ، وقد جعل الله تعالى خروجه إحدى علامات الساعة الكبرى، وسمي بالدجال لأنه يغطي الحق ويلبسه بالباطل، وسمي بالكذاب لأنه يخالف الحق، ويدعو الناس إلى الكفر والضلال .
والدجال معروف من عصر النبي ويقال إنه محبوس في أحد الجزر، وأنه سيظهر عند فتح القسطنطينية، وانه سيخرج من جهة المشرق من أصبهان أو خرسان، وقد حذر الأنبياء جميعا أقوامهم من المسيبح الدجال لأنهم لم يعلموا وقت ظهوره، وحذر النبي ﷺ أمته ، وعرف وقت ظهوره ، وبين للناس أنه أحد علامات الساعة الكبرى، وأنه أعور ، ومكتوب بين عينيه " كافر"
وأحاديث الكتاب توضح صفة الدجال، ودعوته، وقد جعله الله ل فتنة للناس، ويبدأ الدجال في صورة رجل صالح يدعو إلى الصلاح والتقوى، فيتبعه الناس، ثم يدعى النبوة، ثم يدعي الألوهية، فيتبعه أهل السوء، ويعارضه المؤمنون والموقنون.

16
باب ذكر الدجال وصفته وصفة من معه

(1)حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بعد قَالَ : ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا، بَيْنَ ظَهْرَي النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَالَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ .

(2) حديث أنس له قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : مَا بُعِثَ نَبِيَّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ.

(3)حديث حُذَيْفَةً رضي الله عنه:
قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرُو لِحُذَيْفَةَ : أَلا تُحَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ مَعَ الدَّجَالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءً بَارِدٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءً بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِد .

(4)حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا.

17
كتاب الزهد والرقائق

الزهد هو تقليل الرغبة في ماديات الدنيا طلبا للحصول على خيرات الله تعالى في الآخرة ، وسبب ذلك أن الزهد يحقق القناعة بالقليل ، واليقين بقدرة الجليل، ومداومة الذكر والترتيل، والاستعداد ليوم الرحيل ... وأيضا فإن الزهد يؤدي إلى صرف المادة في خدمة الروح ، وإنفاق المال في سبيل الله تعالى ، ولذلك صح الزهد من الغني والفقير ، فكلاهما يضع المال، ويسخر مباهج الدنيا في خدمة القيم العليا ، والغايات السامية .
فعن سهل بن سعد الساعدي و قال : ( أتى النبي رجل ، فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس ؟
فقال رسول الله ﷺ : " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)
ولعل أول ما يحققه الزهد للإنسان هو رقة القلب، وحنان الروح.

والرقائق، والرقاق جمع رقيق ورقيقة وتوصف بها المادة فيقال : ثوب رقيق، وضده الغليظ، وتوصف بها المعاني فيقال: قلب رقيق أي لين رحيم، وضدها القسوة، وتتضمن الرقائق الأحاديث والمواعظ، وكافة المذكرات التي توصل الإنسان إلى الزهد والرقة، لأنها ترشد العقل إلى الصواب ، وتقوي في النفس حب الخير والصلاح، وتحقق الزهد وتنميه، وتضع العقل أمام حقيقة الوجود ، فتعرفه بالموجد، ومصير كل موجود ، وضرورة استعداد الموجود لما ينتهي إليه حاله في الدنيا ، وما سيكون عليه أمره في الآخرة.

18
باب صور من الرقائق والمواعظ

(1)حديث أنس مَالِكِ نه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثَةً فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ.
(2)حديث عمرو بنِ عَوْفِ الْأَنْصَارِيِّ وَ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤيِّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ
فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومٍ
أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَتْ صَلاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ .
فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الْفَجْرَ انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ .
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُم قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ ؟. 
قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.
(3)حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ : إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضْلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ منه )

19
كتاب التفسير

التفسير هو بيان المعنى المقصودة من آيات القرآن الكريم على قدر الطاقة البشرية، وهو من العلوم الضرورية لكل مسلم ليقف على مراد الله تعالى من وحيه، وينقسم علم التفسير إلى تفسير بالمأثور ، وتفسير بالرأي، والفرق بينهما كبير، فالتفسير بالمأثور هو بيان معاني القرآن الكريم بالنقل الثابت عن رسول الله ﷺ، وبالمعاني الثابتة في لغة العرب، فقد نزل القرآن الكريم بلغتهم ، والمأثور عن رسول الله، وسلف الأمة يشمل القرآن، والسنة النبوية، وأصول لغة العرب .
وأما التفسير بالرأي فهو يعني تفسير آيات القرآن الكريم بما يصل إليه العقل البشري في إطار الضوابط الشرعية لفهم آيات القرآن الكريم ، وألوان التفسير بالرأي عديدة ، ومنها التفسير الدعوي الذي يهدف إلى استنباط دروس للدعوة والدعاة من القرآن الكريم ، وتوجيهها توجيها يحقق المراد منها. 
وأحسن التفاسير ما يأخذ من المأثور ، ومن العقل لاستخراج مناهج عدة تفيد المسلمين في دنياهم وأخراهم

20
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... والشكر والثناء الله تعالى على عطائه، ونعمه، ومعونته، وبعد فإني في ختام الجزء التاسع أتوجه بخالص الثناء والحمد والشكر الله تعالى، فقد هداني إلى شرح مؤلفات في السنة النبوية المطهرة بعد أن انتهيت من وضع تفسير دعوي للقرآن الكريم، ولقد هداني سبحانه وتعالى ووفقني في شرح أحاديث كتاب " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" وسميته :
ركائز الدعوة والإيمان بشرح أحاديث اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان
قد استغرق شرح الكتاب خمس سنوات متواصلة وأخرجته في مجلدات تسع.
والحمد لله أن وجهني لشرح أحاديث هذا الكتاب، لأني بشرحها عشت مع أصحالصحيح من أحاديث رسول الله ، فقد ضم الكتاب الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان البخاري ومسلم، والتزما بالشروط التي اشترطاها في صحيحيهما.

الى الاعلى