Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

نظام الإسلام في المال والاقتصاد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .... وبعد فإن المسلم حين يكتب عن الإسلام يشعر بالفخر والعزة، لما يراه في دينه من سمو التعاليم، وعظمة الصناعة، وصدق المرجعية، ومكارم الأخلق، وحسن العمل والأداء، وكلما ازداد الكاتب علما وفهما، ازداد ثقة، ورضى ، وسعد بما يراه في دينه من حق وصواب، وأنا واحد من هؤلاء الكتاب الذين يتشرفون بالكتابة عن الإسلام في زمن تتسارع فيه الأفكار والمذاهب ، وتتصادم الرؤى والاتجاهات ، حيث يحاول أصحاب الأديان والمذاهب على اختلافهم إثبات صدق ما هم فيه ، مع تجمعهم على محاربة الإسلام بإثارة الشبه ، وتلفيق الاتهامات، ومع كثرة ما أثير وما يثار فإن إعتزازي بالإسلام يزداد، ويقيني بصدقه وعظمته يتأكد ويظهر ، لإن المقارنة تظهر الحق، وتوضح الصواب، ولم ينشأ الفخر والاعتزاز عندي وعند غيري من فراغ، وبلا سبب، ولكنه ينبني على نظرة تحليلية يعيشها الباحث مع أي جزئية إسلامية، حيث يعلم حقيقتها ، ويرى أدلتها ، ويقارنها بما أثير حولها ، ليصل في النهاية إلى نتيجة موضوعية محايدة تبعث فيه الرضى والفخر عندما يرى الحقيقة الواضحة مع دين الله تعالى ، ويرى الزور والبهتان مع هؤلاء المعارضين لدين الله تعالى ، فهم الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الكَفِرُونَ) .

إني اعترف ابتداء بأني محب الله تعالى ورسوله ، معتز بديني وعقيدتي ، ملتزم بما أمرني الله تعالى به من صدق في القول ، وأمانة في العمل، واحترام للناس، وبعد عن العدوان، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وأداء الواجب على أكمل وجه، والمحافظة على كافة الحقوق .... ولذلك سأكون بإذن الله تعالى - موضوعيا فيما أكتب ، محايدا فيما أعرض، مصاحبا للدليل والبرهان في كل ما أتناوله، إن الإسلام دين الله تعالى نزل الوحي به ، وحفظته المصادر الدينية الثابتة ، المنقولة نقلا متصلا من رسول الله إلى يومنا هذا ، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومع إطار هذا الثبوت نرى التعاليم المفصلة ، والمبادئ الكلية لكافة الجوانب الدينية من عقيدة، وشريعة ، وأخلاق، ومع تطور البشرية وتقدمها الحضاري والمدني نجد الإسلام بتعاليمه يبني ولا يهدم ، يحقق العدل، وينشر الأمن ، ويستمر انتشاره بين الناس بالحكمة، والحسن في الموعظة والحوار، ويقدم للحضارة والمدنية، الخلق والدقة، الأمر الذي يجعلها أمنا وأمانا للجسد ، والعقل، والروح .

01
الفصل الأول: الأسس النظرية للنظام الاقتصادي في الإسلام

يشتمل الإسلام على سائر النظم التي يحتاج إليها الإنسان، ومنها النظام الاقتصادي الذي سنتحدث عنه في هذا المؤلف - بإذن الله تعالى . وتبدأ الدراسة العلمية لأي علم بتحديد مفاهيم العلم، وشرح مصطلحاته، وعناصره .. وإذا ما جئنا للاقتصاد فإننا نجد العديد من المؤلفات التي تتحدث عنه من وجهة نظر مذهبية متنوعة ، فهناك الاقتصاد الشيوعي، والاقتصاد الرأسمالي ، ... وهكذا .... ونجد أن هذه المؤلفات تورد مسميات عديدة مثل علم الاقتصاد ، والنظام الاقتصادي والسياسة الاقتصادية ، كما تتحدث عن المال، والسياسة المالية، .... وغير ذلك، ولذا أحببت البدء ببيان المعاني العلمية لهذه المصطلحات ، ليعلم الناس أن الإسلام قد تناولها بنظامه الخاص به، باعتماده على العديد من القيم التي يتميز بها دون غيره

إن النظام الاقتصادي في الإسلام مرتبط بالعقيدة الإسلامية، لأنه يربط الإنسان بالله عن طريق استخلافه في الملكية ، يقول الله تعالى : ( وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) وعن أبي سعيد ( أن رسول الله ﷺ : قام خطيبا فكان فيما قال : " إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء )، وهو نظام يرتبط بشرع الله تعالى ، فحين يزرع الزارع ، أو يتاجر التاجر ، أو يصنع الصانع ، فلابد له من معرفة الحلال والحرام وشروط العقد ، وأصول الصناعة ليكون مؤمنا في عقيدته ، ملتزما بشرع الله تعالى، وهو نظام أخلاقي لأنه يقوم على الصدق ، والأمانة ، والبعد عن الغش ، والسرقة ، ويعمل على صيانة مصالح الناس ، وقضاء حاجاتهم ، وتحقيق الكرامة لهم . إن الإنسان المؤمن يشعر بمعية الله تعالى وهو يطبق تعاليم الله في نشاطه الاقتصادي.

02
الفصل الثاني: الملكية في الإسلام

الحق ضد الباطل، ويسمى به كل موجود ثابت لا شك فيه، فإذا أسند لذات أو شخص، أو عين، أو منفعة دل على أن ما أسند إليه له اختصاص ، أو تملك، أو مصلحة ، يقال : حق الله، أي ما يختص به من واجبات على .... ،الناس .. ويقال : هذه الدار حق فلان أي ملكه ، ويقال : الحضانة حق الأم أي مصلحتها .

والحقوق نوعان : عامة، وخاصة ، ويراد بالحقوق العامة، وهي التي تكون للفرد - أي فرد - قبل الجماعة ، كالحماية ، والتكريم، أو للجماعة قبل الفرد كحق الجماعة في تقييد نشاط الفرد حفظا للأمن والنظام .

والحقوق الخاصة تكون للأفراد قبل بعضهم ، أو قبل الدولة باعتبارها شخصا معنويا  والحقوق الخاصة تكون شخصية، كحرية الاجتماع ، وحرية الرأي ، وحرية التنقل، وهذه داخلة في حق السيادة، يكفلها الحاكم في إطار النظام السياسي، وتكون عائلية، وهي الحقوق المتبادلة في إطار الأسرة والقرابة ، وهي معلومة في النظام الاجتماعي .

والحقوق الشخصية كذلك تكون مالية ، ومحلها المال، وهذه الحقوق تنظم العلاقات المالية بين الفرد وغيره بصورة تعتمد على الأشخاص كالدائن والمدين، أو على الأفكار والمعاني كالابتكارات العقلية ، أو بصورة تنصب على المال وصاحبه، والصورة الأخيرة تسمى بالحقوق العينية ، لارتباطها بعين المال وبذات صاحب المال، وقد يكون صاحب المال فردا أو شخصا اعتباريا، وأهم الحقوق العينية حق الملكية  .

03
الفصل الثالث: الملكية في النظم الوضعية

ترتبط النظم دائما بفلسفة مذهبية تعمل على إدارة المجتمع ، وتنظيم شئون الدولة ، إنها فلسفة ذات شعب يكمل بعضها بعضا ، ولذلك لا يمكن فصل النظام الاقتصادي في أي مجتمع عن الاتجاه المذهبي الذي يتحكم في سائر النظم. إن الإسلام جاء للناس ليضعهم في المجال المشروع ، ويؤدوا الوظيفة التي خلقوا لها ، وكلفوا بها ، وهي عبادة الله تعالى ، وذلك مستفاد من قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ النَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِزْقِ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )، والدول الديمقراطية تقوم على إعطاء الحرية للشعب في إبداء الرأي، والانتقال، والعمل ، .... الخ ، ولذلك أقامت اقتصادها على حرية العمل، والكسب، والتصرف . والنظام الشيوعي الهادف إلى صياغة المجتمع بفلسفته العامة يرى أن المال يجب أن يكون شائعا ، تتصرف فيه الطبقة العاملة ممثلة في الحكومة لتوظيف الاقتصاد لخدمة المذهب الشيوعي .

إن الوضع الاقتصادي ، والوضع السياسي ، كلها أوجه متناسقة مع النظام ، أو الفكرة التي تقوم عليها ، وكلها منبثقة من أصل واحد مشترك هو " الإنسان " مستقيما أو منحرفا ، وعلى أي نحو هو منحرف ، فأما إن كان مستقيما ، أي على النهج الرباني ، فهو يصوغ حياته الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والفكري والروحية ، ... ألخ على مقتضى المنهج الرباني ، وهو منهج متناسق في جميع وجوهه، ومتكامل بعضه مع بعض ، وأما إن كان منحرفا فبحسب نوع إنحرافه تكون أوضاعه الاقتصادية ، والسياسية والاجتماعية ، والفكرية، والروحية ، ... ألخ وتكون متناسقة مع لون الانحراف الذي يقع فيه ذلك " الإنسان " فليس الاقتصاد هو الذي يسوغ السياسة ، ولا السياسة هي التي تصوغ الاقتصاد ، إنما هما معا - ومعهما بقية وجوه الحياة - يصوغها الإنسان متأثرا بنوع توجهه وفلسفته.

04
الفصل الرابع: إنسانية الاقتصاد الإسلامي

في عالم الاقتصاد لا يلجأ الإنسان إلى الاقتراض إلا إذا احتاج إلى المال ولم يجد في ملكه ما يسد حاجته ، وبغير هذا يكون الاقتراض عملا عابثا . هذا هو منطفق الحياة في كافة جوانبها ، حيث يتحتم على الإنسان أن يستفيد بكافة أرصدته ، ولا يأخذ من غيره إلا بعد انتهاء رصيده ، واضطراره إلى الأخذ من غيره ... وأرصدة الحياة متنوعة ، فهناك الرصيد المادي ، وهناك الرصيد الروحي ، وهناك الرصيد في التخطيط ، وفي التوجيه، وفي السلوك، والمسلمون من بين سائر الناس يعيشون بأرصدة الإسلام الشاملة لكل ما يحتاجه الناس من عقيدة، وشريعة، وأخلاق. وكان الأمل أن يغني الإسلام اتباعه بقيمه العظيمة ، وأرصدته الربانية ، ويكتفي المسلمون بالإسلام ، ففيه الكفاية وفيه الغناء .

لكن المسلمون لم ينتبهوا إلى ما في أيديهم فانصرفوا عنه ، وأخذوا يستوردون لحياتهم نظاما من هنا ، وعادات من هناك ، حتى رأينا المجتمع في البلاد الإسلامية صورة ممسوخة تجمع أشتاتا من الأعراف والتقاليد، تأخذ بعضها من الإسلام، وبعضها من الشرق أو الغرب، أو من أي نظام آخر، فأساءوا إلى أنفسهم، وشوهوا تطبيقاتهم لدين الله تعالى حتى صاروا عالة على غيرهم، فليس من الدين ما نراه من سلوك الناس في البيت، والطريق، وأماكن العمل لبعدها كثيرا عن تعاليم الله تعالى، وليس من الإسلام ما نراه من إهمال الأغنياء حق الفقراء والمحرومين ، مع أن هذه الحقوق جزء واضح في شريعة الله تعالى .

05
الخاتمة

الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذه الدراسة عن " نظام الإسلام في المال والاقتصاد ، وأرجوا أن أكون قد تمكنت من إبراز معالم هذا النظام ، مع إظهار ما فيه من سبق وتميز، ولعل ما يشغلني في شوط البحث الأخير هو أنت أيها القارئ فإني أتوجه إليك، وأهمس في أذنك بأنك معي ، ومعنا أبناء هذا الدين في مركب واحد يمخر بحر الحياة ، ويتعرض لأمواج عديدة ، وهو في أمس الحاجة إلى شجاعة الركاب ، وثقتهم فيه ، ليواصلوا رحلتهم به ، ومعه .. فهل أنت معي أيها القارئ المسلم في هذا التصور ؟

لابد أن نكون سويا في إطار ديننا الواحد ، نعمل له، ونتحرك به ، ونحن مدركون أننا مسئولون عن هذا الدين أمام الله تعالى، إن إنتسابنا للإسلام يتحقق بالعمل ، ويصح بملازمة منهج الله تعالى، ولا يكفي معه مجرد المعرفة ، والفهم ، لأن من علم ولم يعمل عد كاذبا في حكم الله تعالى

الى الاعلى