Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد الثالث: التعريف بسورة آل عمران

الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ،، فها هو المجلد الثالث من تفسير الدعوة والذى وسمته بـ "ركائز القدوة في تفسير الدعوة" بعد أن أكرمنى الله تعالى وانتهيت من كتابة المجلدين الأول والثاني في تفسير سورة البقرة . وعلى نفس المنهج ، وبنفس الخطة أواصل كتابة هذا الجزء مبتدئا بسورة آل عمران" ، سائلا الله تعالى أن ييسر الخطى ، ويمدني بالسداد والتوفيق ، ويعينيني على العمل والعطاء لأنجر ما قدره الله لي . وأتوجه للسادة القراء ، ولكل من يقرأ شيئا من هذا المؤلف أن يساعدني بنصحه ، ويعرفني بآرائه ، وإرشاداته عساه أن يكون سببا في تصحيح خطا وإنارة طريق ، وعونا في الوصول لهدف نرجوه معا . كل الأمر الله ، وأعتذر عن أى خطأ .. وأسأل الله تعالى أن يلهمني الصدق ، ويرزقني الإخلاص ، وحسن العمل إن ربي على كل شئ قدير. وهو حسبي ونعم الوكيل

01
التعريف بسورة آل عمران

سورة آل عمران" من السور الطوال ، نزلت بعد الهجرة ، فهي سورة مدنية ، تلى سورة البقرة فى طولها ، وفى كتابتها في مصحف عثمان ، نزلت بعد سورة "الأنفال" وعدد آياتها مائتا آية .  وتتميز سورة آل عمران بما تميزت به السور المدنية ، في أساليبها وموضوعاتها ، وسائر خصائصها .

02
أعمال اليهود العدوانية ومصيرهم

يقول الله تعالى:  إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَمْ حَفَى وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نصرين

صلة الآيتين بما قبلهما: بعدما بينت الآية السابقة أهمية الحسم مع غير المؤمنين ، والاكتفاء بالبلاغ المبين جاءت هاتان الآيتان لتوضح خصائص الكفار أعداء الله تعالى الذين لا يفيد جدالهم ، ولا تنفع محاجتهم ، والحسم هو أحسن الطرق للتعامل معهم

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أهم صفات الكفار . فهم ينكرون الإسلام ، ويقتلون النبيين بغير الحق ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وتوضح العذاب الأليم الذي أعده الله لهم ، وتذكر أن أعمالهم الحسية قد أحبطت ، ولا فائدة تعود عليهم منها في الدنيا وفي الآخرة .

03
موقف أهل الكتاب من الدعوة ومن الحساب

يقول الله تعالى :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ كِتَابٍ إِلَى اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرْهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

صلة الآيتين بما قبلهما : بعد أن بينت الآيات السابقة أعمال الكافرين من أهل الكتاب ، ومصيرهم الذي يستحقونه جاءت هذه الآيات لتبين صورا عملية لسلوك بعض أهل الكتاب وهي صور من كفرهم

موضوع الآيات: تتناول الآيات صورة الذين أوتوا جزءا من الكتاب وهم يعرضون عن التحاكم إليه ، ويتصورون أنفسهم ناجين من عذاب الله الأليم ، ويظنون أنهم سيعاقبون بممر خفيف من العذاب في أيام قليلة ، وقد اغتروا بظنهم الكاذب .... والحقيقة أنهم سيعاقبون على كفرهم بعدل تام ، حيث تنال كل نفس جزاء ما قدمت بلا ظلم ، أو تقصير .

04
وضع المبادئ الأساسية للحوار

يقول الله تعالى : قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) .

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة ضرورة ترك المماراة واللجوء للمباهلة ، وترك الأمر الله العزيز الحكيم جاءت هذه لوضع مبادئ أساسية للحوار مع اليهود والنصارى .

وضوح الآية: تبين الآية بعض المبادئ العادلة المسلمة لتكون أساس الحوار مع أهل الكتاب .

05
تفسير الجزء الرابع توطئة

عشنا مع تفسير سورة آل عمران" من أولها حتى وصلنا إلى أول الجزء الرابع ، وفهمنا الكثير عن اليهود والنصارى ، وكيف أنهم يجادلون في دين الله ، ويدخلون فيه ما ليس منه، وبرغم اصطفاء الله لآل عمران ، وتفضيلهم على سائر الناس الذين عاشوا معهم ، إلا أنهم لم يتمسكوا بما أوحى الله به لهم على لسان رسولهم ... فقد حرفوا كتابهم ، ولم يصدقوا بمحمد الذى أرسل إليهم ، والى الناس أجمعين، وقد نزلت الآيات توضح للمسلمين خصائص أهل الكتاب ، وموقفهم من الإسلام ورسوله ، وتقيم الحجة عليهم ، وتضع منهج خطابهم ودعوتهم إلى الله تعالى .

وفي هذا الإطار ركزت السورة على تجلية حقيقة الإيمان ، وتوضيح منهج الإسلام الذي بينه الله للناس، ولم تبتعد الآيات أبدًا عن هدفها العام ، وهو إثبات وحدانية الله تعالى ، فهو قيوم السموات والأرض ، لا إله إلا هو ، مرسل الرسل ، ومنزل الكتب ، وهو مالك الملك ، ومنشئ الكون ، يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، واليه يرجع الأمر كله ... وهو سبحانه وتعالى قضى بالحق في الدين ، وبينه للناس ، وأخبر به ، فقال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) . ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ  .

06
دعوة المسلمين إلى التقوى

يقول الله تعالى :( يَأيُها الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُسْلِمُونَ ) . صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة أن ارتداد المؤمن إلى الكفر بسبب دسائس أهل الكتاب أمر مستبعد جاءت هذه الآية تحدد للمؤمنين طريق الفوز والفلاح .

موضوع الآية: تنادى الآية المؤمنين أن يتقوا الله حق التقوى ، وأن يتمسكوا بالإسلام في كل لحظة من حياتهم ليأتيهم الموت وهو مسلمون مؤمنون

07
توحيد الأمة بدين الله الواحد

يقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرِّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ وَآيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .

سبب نزول الآية: ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج ، وذلك أن رجلا من اليهود مر بملا من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلا معه ، وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم "بعاث" ! ففعل . فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم . وتوعدوا إلى "الحرة" فبلغ ذلك النبي ﷺ فأتاهم ، فجعل يسكنهم ، ويقول : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وتلا عليهم هذه الآية ، فندموا على ما كان منهم ، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم .

صلة الآية بما قبلهما: تحدثت الآية السابقة عن الدعامة الرئيسية لقيام المجتمع الإسلامي وهي الالتزام بتقوى الله الواجبة والعزم الجاد على الحياة بمنهج الإسلام ، وجاءت هذه الآية لتبين الدعامة الثانية لبناء المجتمع الإسلامي وهي وحدة الأمة كلها .

08
الإسلام باق بذاته لا بالدعاة

يقول الله تعالى : وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرِّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.

صلة الآية بما قبلهما وموضوعهما: تأتى هذه الآية في إطار عتاب الله للمؤمنين وتدور حول بيان أن انتقال الرسول إلى ربه بأى صورة من صور الموت لا يضر الإسلام في شئ ، لأن دين الله باق بتعاليمه ومصادره ، والموضوع متصل بما وقع يوم "أحد" ، ويشير إلى واقعة معينة حدثت في غزوة "أحد" ، وذلك حين انكشف ظهر المسلمين بعد أن ترك الرماة أماكنهم من الجبل ، فركبه المشركون ، وأوقعوا بالمسلمين ، وكسرت رباعية الرسول وشج وجهه ، ونزفت جراحه ، وحين اختلطت الأمور وتفرق المسلمون لا يدرى أحدهم مكان الآخر ... حينئذ نادى مناد : إن محمدا قد قتل ... وكان لهذه الصيحة وقعها الشديد على المسلمين . فانقلب الكثيرون منهم عائدين إلى المدينة ، مسرعين في الهرب منهزمين نفسيا تاركين المعركة يائسين .... لولا أن ثبت رسول الله ﷺ في تلك القلة من الرجال ؛ وجعل ينادي المسلمين وهم منقلبون حتى فاءوا إليه ، وثبت الله قلوبهم ، وقاتلوا حتى انسحب عدوهم .

09
رد مزاعم اليهود

يقول الله تعالى : الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا تُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانِ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُو بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) .

سبب نزول الآيتين: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن صيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب من اليهود أتوا النبي ﷺ فقالوا : يا محمد تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا ، وأنزل عليك كتابا ، وان الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن الرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا )

صلة الآيتين بما قبلهما: تحدثت الآيات السابقة عن بخل اليهود ، وقولهم : إن الله فقير ، وبعدها جاءت هذه الآيات تبين أعذار اليهود الكاذبة التي يتعللون بها في عدم الإيمان برسالة محمد ﷺ ، وتسألهم في إنكار عن سبب قتلهم الأنبياء ، وقد جاءوهم بكل ما طلبوا منهم .

10
الخاتمة

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ... وبعد .. فلقد أكرمني الله تعالى بتفسير سورة آل عمران" ، وبذلك تم الكتاب الثالث ليبدا الكتاب الرابع وأوله سورة النساء"، وسعادتي بالكتاب في تفسير كلام الله تعالى لا يشوبها إلا خوفي من أى خطر ، ولذلك تزداد سعادتي بنصح مخلص يصحح خطأ ، أو يصوب لي التوجه ، أو يأخذ بيدى إلى ما يرى فيه الخير لى ولكتاب الله تعالى ، أو يساهم معي في إتمام هذا التفسير الدعوى الذي أراه ضروريا للمسلمين في العصر الحديث، وأملي في الله كبير أن يسدد الخطى ، ويحكم السير ، ويجنبني الزلل والخطأ ، ويهديني سواء السبيل ، فهو حسبي ، وهو وليي ، فنعم المولى ، ونعم النصير

الى الاعلى