Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد الخامس: التعريف بسورة المائدة

الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد ،، فها هو المجلد الخامس من مؤلفى "ركائز القدوة في تفسير الدعوة" الذي يبدأ بتفسير سورة "المائدة "وينتهى عند الآية رقم (۱۱۰) من سورة الأنعام .... وبعون الله تعالى سأسير معه على نفس منهجي في تفسير السور السابقة . سأبين أسباب النزول كما ذكرها المفسرون لما لها من أهمية في بيان المعنى نظريا وعمليا مع ربط آيات القرآن الكريم بالواقع ، ودقة مواجهتها لقضايا الناس إن ارتباط الكلمة بسببها يوضح عدة أمور :

(۱) يفسر المعنى المراد من الكلمة ويحدد المقصود وسط عموميات اللفظ .

(۲) سهولة تطبيق مراد الآية على الصور المماثلة للحدث

(۳) بيان إعجاز القرآن الكريم من ناحية شموله لما نزل له ، ولسائر أحكام

الحياة الإنسانية ، وان تنوعت مكانا ، وزمانا ، وكيانا بشريا ..

(٤) وضع الآيات أمام الدعاة للاستفادة منها في مواعظهم ، وكلماتهم توجيهات واستنباطات نافعة للمدعوين ومن الممكن للدعاة إيراد سبب النزول والبناء عليه بما في الآية من ويمكنهم تحليل الآيات وابراز 
ما فيها من كلمات جامعة للعديد من العبر والدروس ... ويمكنهم إيراد 

الآية دليلا لهم في الأحداث التى يتناولونها لما بين الحدث والآيات من تشابه ولو في صورة جزئية

(٥) تأكيد ارتباط حاضر الأمة بماضيها ، وتقديم صورة كاملة لمستقبل هذه الأمة في هذا الوجود.

وسأنطلق من أسباب النزول إلى تحليل للآيات لبيان دورها في تقديم دين الله تعالى ، ومواجهتها لكافة أطياف المجتمع ، وكيفية تأثيرها في الناس ، وطرق عرضها للأديان والمذاهب الأخرى بصدق وانصاف ، وبذلك لا أقصر الآية على سببها ، وانما استفيد بعمومها لأن العبرة به ، واستمرارية الاستفادة قائمة عليه .

01
سورة المائدة

سورة المائدة" هي السورة الخامسة ترتيبا في مصحف عثمان ، وللتعريف بها سنتكلم في النقاط التالية :

أولًا اسم السورة: تسمى السورة بعدة أسماء : أولها ، وأشهرها مسمى "المائدة" لورود قصة طلب الحواريين من عيسى الله إنزال مائدة عليهم من السماء : و ( قَالُوا نُرِيدُ أَن تأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشهدِينَ ) ... الخ .

وتسمى سورة "العقود لاشتمالها على عدد من العقود ، وافتتاحها بالأمر بالوفاء بالعقود، وتسمى المنقذة لأنها تنقذ من يطبق الأحكام التى نزلت فيها من أيدى ملائكة العذاب . يقول النبي ﷺ : سورة المائدة تدعى في ملكوت الله المنقذة تنقذ صاحبها من أيدى ملائكة العذاب، وأولى الأسماء بالسورة "العقود" فقد تناولت السورة عقود المسلم مع الله على الطاعة ، والاستسلام ، والانقياد ، وعلى عقوده مع الناس في المعاملات ، وبذل النصح ، والتعاون على البر والتقوى ، وتبليغ الدعوة ، وعدم كتمان العلم والخير ، وعلى عقوده مع نفسه بترك الشطط والغلو ، وتتبع مكارم الأخلاق والسورة كلها مع هذه العقود ، أما المائدة فقد وردت في أربع آيات فقط . عدد آيات السورة: عدد آيات السورة عند الكوفيين مائة وعشرون وعندها عند البصريين مائة وثلاث وعشرون وعددها عند غيرهم مائة واثنتان وعشرون 

02
ضرورة الوفاء بالعقود

يقول الله تعالى : (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلَى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمُ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) .

صلة الآية بسورة "النساء": لما تضمنت سورة "النساء" العديد من العقود التي شرعها الله تعالى جاءت هذه الآية تأمر بالوفاء بهذه العقود وبغيرها بصورة عامة

موضوع الآية: تأمر الآية المؤمنين بالوفاء بالعهود التي التزموا بها مع الله ، ومع الناس ومع الآخرين مع إيراد حكم أكل لحم الأنعام في إطار ما شرع الله تعالى .

الدلالات اللغوية: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ينادى الله المؤمنين  ، ويخصهم بما اتصفوا به من إيمان وتصديق ، ويحضهم على الطاعة ، وكأنه يقول لهم : يا أيها الذين صدقوا بوحدانية الله تعالى ، وأقروا بالعبودية ، وسلموا بالألوهية ، وأمنوا برسوله محمد ﷺ وبكل ما جاء به أوفوا بالعهود التي التزمتم بها أمام ربكم ، وأمام أنفسكم ، وأمام الناس .

والوفاء بالعقد هو المحافظة على ما يقتضيه العقد ، والقيام بما يوجبه .. يقال : وفي وأوفى بمعنى واحد إلا أن في زيادة الحروف مبالغة واهتماما بالطلب ، ودائما يزداد المعنى بزيادة المبنى، والعقود جمع عقد وهو العهد الموثق المحكم ، ويزيد العقد عن العهد بشدة العزم ، وقوة الاستيثاق ، ولا يكون إلا بين اثنين ، أما العهد فقد يكون من ذات واحدة وهو أقل تأكيدا من العقد

03
تحريم التعدى على حدود الله تعالى

يقول الله تعالى :(يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحِلُوا شَعَلِيرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَبِدَ وَلَا وَآمِينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن بِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا تَجْرِمَنَّكُمْ شَتَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا على اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

سبب نزول الآية: نزلت في الحطم واسمه شريح بن هند بن ضبعة البكري أتى المدينة وحده، وخلف خيله خارج المدينة ، ودخل على النبي ﷺ، وقال للنبي ﷺ : "إلام ، تدعو الناس ؟فقال ﷺ : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة .

04
دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام

يقول الله تعالى : يأهل الْكِتَبِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَيْرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَبِ وَيَعْفُوا عَن كَيْمٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَبٌ مُبِينٌ * يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَن اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ )

صلة الآيتين بما قبهما: بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن ضلال اليهود والنصارى جاءت هاتان الآيتان بتعريف أهل الكتاب برسول الله ﷺ المبعوث لهم وللعالم كله ، وتدعوهم إلى الإيمان به .

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أن محمدا وضح لأهل الكتاب كثيرا مما أخفوه من كتابهم ، وسكت عن غيره وهذا بعض أدلة صدقه ، لأنه إخبار بغيب الماضي الذي لا يستطيعه بشر ، وعرفهم بأنه جاء بالحق ، هاديا للصواب والعلا ، ومنقذا من الضلال ، ورسولا للناس أجمعين.

05
محاورة النصارى في قولهم المسيح ابن الله

يقول الله تعالى: (لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا تَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

صلة الآية بما قبلها: بعد أن بينت الآيتان السابقتان نقض اليهود والنصارى للعهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم جاءت هاتان الآيتان لمناقشة أهل الكتاب في أهم ما ذهبوا إليه في ضلالهم .

موضوع الآية: تبين الآية أهم ما ضل فيه النصارى بقولهم الله هو المسيح ابن مريم ، و ترده بمنهج عقلي سديد

06
صفات اليهود المعادية للإسلام والمسلمين

تعرض الآيات من الآية رقم (٤١) حتى الآية رقم (٥٠) أهم صفات اليهود المعادية للإسلام والمسلمين ، وتبين سبب وجود هذه الصفات فيهم ، وترد عليهم بما يبين ضلالهم وخطأهم ، ولعل سبب هذا التفصيل تجلية حقائق اليهود أمام المسلمين ليقفوا على حقيقة هؤلاء ، ومعرفة مؤامراتهم ، وحيلهم ... ويتخذوا الموقف الصحيح معهم، واحتلال اليهود الأوطان المسلمين في العصر الحديث من أقوى الدوافع المعرفة صفات اليهود ، ورأيهم في المسلمين ، وأحسن الطرق للتعامل معهم ، وسوف أتناول صفات اليهود الموجودة في الآيات بنفس منهجي في التفسير .

07
وضوح الطريق أمام أهل الكتاب

يقول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفِّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَادْخَلْتَهُمْ جَنَّتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَنَةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ الهم من تيهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن : تحتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أمةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) .

صلة الآيتين ما قبلهما: بعد أن ذكرت الآية السابقة جرأة اليهود وقولهم عن الله ما لا يجوز جاءت هاتان الآيتان لبيان ما كانوا ينالونه لو استقاموا وآمنوا بمحمد ﷺ ودخلوا في الإسلام .

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أمرا لم يقع ، وهو أن اليهود والنصارى لو آمنوا بمحمد ﷺ وخافوا الله ، ودخلوا في دينه لبارك الله لهم ، فقد أنزل عليهم المطر ، وأنبت الرزق ، ولو استقاموا لغفر الله ذنوبهم ، ومحا سيئاتهم ، ولجوزوا بالجنة ، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك فأخذهم الله بذنوبهم ، وعاقبهم على سيئاتهم

08
تفسير الجزء السابع وأوله الآية رقم 82 من سورة المائدة

تتناول سورة "المائدة" الجزء الأول من الجزء السابع ، وتسير فيه على مناهجها الذي سارت عليه من أول السورة . فمن ناحية الموضوع نرى أول الجزء السابع يتناول قضية اليهود والنصارى من ناحية قربهم أو بعدهم من المسلمين ... وتختم السورة حديثها بإيراد قصة الحواريين الذين نزلت عليهم المائدة من السماء كما طلبوا . ويتناول هذا القدر من السورة عددا من التشريعات والأحكام التي يحتاجها المجتمع المسلم مع الحديث عن اليهود والنصارى، ولا تكرار في الموضوعات لأنها تنزل للمؤمنين الذين يسارعون إلى العمل والتطبيق وذلك في آيات طويلة تناسب المسلمين في المدينة ، حيث الوقت يقضونه في طاعة الله تعالى .. ويلاحظ أن الآيات تركز على تفاصيل الأحكام بعيدا عن الإثارة، أو الترغيب ، أو الترهيب ، لأن مجرد التفهيم يكفى المسلمين ليكونوا خير أمة أخرجت للناس

09
خصائص طوائف الناس في صلتهم بالمسلمين

يقول الله تعالى : لَتَجِدَنْ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنْ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَرَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا وَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَتَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ).

مناسبة الآيات لما قبلها: لما هاجر المسلمون إلى الحبشة حاول أهل مكة إعادة المهاجرين إلى مكة فأرسلوا وفدا لإحضارهم إلا أن الله فتح قلب النجاشي للإسلام فرد وقد قريش على عقبه خاسرا ، وأكرم المهاجرين إلى بلادة فنزلت الآيات لبيان حنان النجاشي ، وبعض قساوسته ، وغلظة المشركين من أهل مكة ..  وقيل : نزلت في ثمانين رجلا أو أربعين من نصارى نجران من بني الحرث بن كعب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية روميين من أهل الشام أسلموا ، وقال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب على شريعة من الحق بما جاء به عيسى الله ، فلما بعث محمد آمنوا به وصدقوه فأثنى الله عليهم  .

صلة الآية بما قبلها: بعد أن بينت الآية السابقة موالاة اليهود للكفار جاءت هذه الآيات لبيان أن اليهود هم أشد الأعداء للمسلمين ، وأن النصارى هم الأقرب منهم

موضوع الآيات: تبين الآيات طبائع أهل الفرق والملل مع المسلمين ، وتوضح أن أشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود والذين أشركوا ، وأقربهم إلى المسلمين وأحسنهم مودة النصارى لأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ، وأنهم يتأثرون بالقرآن إذا سمعوه ، ويسارعون إلى الإسلام .

10
التعريف بسورة الأنعام

سورة "الأنعام" هي السورة السادسة في ترتيب مصحف عثمان ، والتعريف بها يحتاج إلى البحث في النقاط التالية :

اسم السورة: للسورة اسم واحد هو "الأنعام" لورد الحديث عن الأنعام في السورة حيث الآيات من الآية رقم (١٤٢) حتى الآية رقم (١٤٥) ، وفيها بينت الآيات أن الله أحل أكل لحوم الأنعام من الإبل ، والبقر ، والضأن ، والماعز إذا ذبحت بطريقة شرعية كما بينت أن المحرم من الطعام هو ما جاء النص عليه بنص قطعي وذلك في قوله تعالى : ( قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ، فَمَنِ اضْطُرٌ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبِّكَ غَفُورٌ رحِيمٌ)

ثانيًا: عدد آيات السورة 
اختلف العلماء في عدد آيات السورة فعدها الكوفيون مائة وخمس وستون ... وعدها البصريون والشاميون مائة وست وستون آية ... وعدها الحجازيون مائة وسبع وستون آية .....

11
تفسير سورة الأنعام

الحمدلله وحده .. يقول الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَهِمْ يَعْدِلُونَ )

موضوع الآيه: تبين الآية استحقاق الله للحمد ، وتأمر الناس به ، وتذكر أسباب ذلك ، فهو سبحانه خالق كل شئ عظم أو صغر ، قل أو كثر ... ومع ذلك فإن الذين كفروا يجحدون فضل الله تعالى ويشركون معه غيره .

الدلالات اللغوية: (الْحَمْدُ لِلَّهِ ) الألف واللام في "الحمد" للجنس ، واللام في "الله" للاختصاص ومعنى ذلك أن الحمد كله خاص بالله تعالى وحده ، لا يشركه فيه غيره وفي هذا توجيه للعباد ليحمدوا الله ، لأن الآية معناها الأمر أي "احمدو" وان جاءت بصيغة الخبر ، وهذا أبلغ في التعبير لاشتماله على الخبر والطلب معا وأيضا فإن صيغة الخبر تفيد ثبوت الحمد لله ، وان لم يحمده الكافرون .. والله وحده مستحق للحمد لأنه الفاعل المختار في كل ما يصدر عنه من الإنعام ، والإحسان للناس بصورة عامة وبذلك يكون حمده سبحانه وتعالى استحقاقا لذاته الجليلة ، وإقرارا بحكمته العالية ، وانطلاقا من كمال إخلاص العبد ونتيجة لاستغراق القلب في حب الحق ، وانقطاعه عما سواه ..

12
الله هو الخالق

يقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ
أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ) .

صلة الآية بما قبلها: لما تحدثت الآية السابقة على أن الله هو المستحق للحمد ، فهو صاحب النعم كلها ، وهو الذي من خلق السموات والأرض ، والظلمات والنور جاءت هذه الآية لتقدم دليلا آخر على استحقاق الله للحمد وحده .

موضوع الآية: تبين الآية أن الله خلق الناس من طين ، وحدد الآجال ، ومع ذلك يشرك به الكافرون ، ويحيدون عن عبادته وحده إلى عبادة غيره .

الدلالات اللغوية: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ) يخاطب الله الناس بعد بعثة محمد ﷺ ويخبرهم بواحدة من مظاهر قدرته ، وعظيم نعمه ، يعرفهم بأنه خلقهم من طين .  فإن قيل : إن الله يوجد البشر بتلاقى بويضة الزوج والزوجة في رحم الأم ليولد بعد مدة الحمل . فكيف أن الله خلق البشر من طين ؟...نقول : إن الآية تحدثت عن خلق آدم اللي فهو أبو الجميع والبشر على اختلافهم من نسله أنه أخرجهم من أصلاب آبائهم وبطون أمهاتهم لأنهم من نسل آدم الله وهم ذريته .

13
طمس قلوب الضالين ورد قولهم عن القرآن الكريم

يقول الله تعالى : (وَمِنْهُم مِّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةٌ أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي وَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ وَآيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ تُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

سبب نزول الآية: اجتمع أبو سفيان صخر بن حرب ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبي ابنا خلف ، والحارث بن عامر يستمعون القرآن الكريم ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيبة ما يقول محمد ؟ قال : ما أدري ما يقول ، إلا أني أراه يحرك لسانه ، ويقول أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الماضية وأخبارها، فقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقا، فقال أبو جهل : كلا لا تقر بشيء من هذا للموت أهون علينا من هذا
فأنزل الله تعالى : ( وَمِنْهُم مِّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ )  .

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة أن كفار مكة كذبوا بالله وبآياته جاءت هذه الآية لتبين ضلالات أخرى فعلها كفار مكة .

موضوع الآية: تبين الآية أن بعض كفار مكة كانوا يسمعون رسول الله ﷺ وهو يتلوا القرآن الكريم ، ومع اقتناعهم به استمروا على كفرهم وعبادتهم للأصنام فقد غطى الجحود قلوبهم ، واسماعهم .

14
إقامة الحجة على الكافرين

يقول الله تعالى :(قُلْ مَن يُنجِيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لِّبِنْ أنجلنا مِنْ هَذِهِ، لَتَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ..قُلِ اللَّهُ يُنَجِيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبِ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ..قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ أَنظُرْ كَيْفَ نُصَرِفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) .

صلة الآيات بما قبلها: بعد أن بينت الآيات السابقة عموم علم الله تعالى ، وأن الخلق جميعا عائدون إليه سبحانه وتعالى ، ومردودون للحساب والجزاء جاءت هذه الآيات لبيان عموم قدرة الله في الدنيا وفي الآخرة ، فنعمه عديدة ، وعذابه شديد ، وهو سبحانه ينجى الناس ، ويجبر المضطر إذا دعاه ، وهو سبحانه يعاقب العباد بما يعملون

موضوع الآيات: تبين الآيات أن المشركين كانوا إذا أصابهم مكروه ، أو حلت بهم كارثة في الدنيا كانوا يلجأون إلى الله لينجيهم منها ، إلا أنهم بعد نجاتهم لا يشكرون الله ، ولا يعبدونه ، وعليهم أن يؤمنوا بالحقيقة ، وهى أن الله هو القادر على أن ينزل عليهم العذاب من كل جهة ، وقادر على تغيير أحوالهم ، وكافة شئونهم عسى أن يعقلوا ، ويفهموا .

15
بيان الحقيقة كاف في الدعوة

يقول الله تعالى : وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَا مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ .

صلة الآية بما قبلها: بعد أن بينت الآية السابقة موقف الكفار عند نزول الكرب بهم ، جاءت هذه الآية لتبين أن هؤلاء الكفار يكذبون بالحق وبالقرآن الكريم ، وسينالون ما يستحقون من عقوبة 

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أن رسول الله ﷺ ليس وكيلا على الناس ليمنعهم من الكفر والتكذيب ، وأن لكل حدث نهاية يصل إليها ، وسوف يلقى الكافرون جزاءهم .

16
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد  فقد أعانني الله تعالى وانتهيت من تفسير الجزء السابع الذي انتهى بنهاية الآية رقم (۱۱۰) من سورة الأنعام" واشكر الله على هذا العون والتوفيق ، واسأله سبحانه النفع والفائدة ، وأن يمدنى بمدده لأدون ما أتمكن منه في "ركائز القدوة في تفسير الدعوة" .. وأملى أن ينفع الله به ، وأن يدخره لي في الآخرة .

إن القبر موحش ، والحساب حق ، ولن ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه ، ورجائي في ربى أن يغفر ذنبي ، ويحسن نهايتي ، ويحشرني في عليين ، فأنا عبده وهو ربي ، وهو الغفور الرحيم، وبمشيئة الله تعالى سأبدا في المجلد السادس وأوله الجزء الثامن من سورة "الأنعام" الذي يبدأ من الآية رقم (۱۱۱) والأمل كله في الله ... وهو حسبي ، ونعم الوكيل .

الى الاعلى