Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد السادس: التفسير ويبدأ من أول الجزء الثامن

الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد .. فإن هذا المجلد يبدأ بتفسير الآية رقم (۱۱۱) من سورة "الأنعام" مبتدئا بالجزء الثامن الذي جاء نصفه الأول في سورة الأنعام" ، ونصفه الثاني في أول سورة "الأعراف"، وكل سورة قرآنية تتناول موضوعا عاما بالتفصيل والتحليل والبرهان ولهذا تناول الجزء الثامن موضوعي سورة "الأنعام" وسورة الأعراف" الأمر الذي دفعني إلى الإشارة الموجزة إلى موضوع القسم الأول من الجزء الثامن مكتفيا بما أوردته في أول سورة الأنعام" في المجلد السابق .. إن سورة الأنعام" تتناول قضية الألوهية من كافة جوانبها ، وتعيش مع العقل البشرى ، والوجدان النفسى ، والنظر الحسى ، وتجول في الأرض وما فيها من ماء ، ويابسة ، وما يظهر فوقها من زرع ، وشجر ، وما يعيش في جوانبها من إنسان وحيوان، وطير وهوام، وتجول في السماء بأفلاكها ، وكواكبها ، ونجومها ، وتضع الإنسان أمام كل جولاتها ليعلم أن الله على شئ قدير...إن الله فالق الحب والنوى ، وجاعل الليل والنهار ، ومجرى السحاب ومسير الرياح ، ومنزل الماء ، وهو الذى خلق الناس جميعا من نفس واحدة ، ومكن لهم في الأرض سكنا ومأوى ، وطعاما وشرابا ، وعملا وحركة ووضعهم أمام الواجب بعدما نالوا الحقوق من الله رب العالمين

01
الكافر جاحد ضال

يقول الله تعالى:(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قبلاً ما كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرُهُمْ يَجْهَلُونَ ) .

سبب نزول الآية: قال ابن جريج : نزلت في المستهزئين ، وذلك أنهم أتوا إلى رسول الله ﷺ في نفر من قريش ، فقالوا : يا محمد ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل ؟ وأرنا الملائكة يشهدن لك أنك رسول الله ﷺ ، . أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا فنزلت هذه الآية جوابا لهم  .

صلة الآية بالآيات السابقة: هذه الآية تكملة للآيات السابقة التى طلب فيها مشركو العرب من رسول بعض الآيات ليؤمنوا ، وأقسموا على ذلك أقساما أكدوها ، واجتهدوا في إبرازها ، ووصل الأمر ببعض المسلمين أن تمنوا نزول الآيات طمعا في إيمان المشركين فبين الله لهم أن ما طلبه المشركون تعنت منهم ، فلو جاءتهم الآيات لن يؤمنوا كما لم يؤمنوا حينما جاءتهم الآيات العديدة ، ومنها القرآن الكريم مع عظمته ، واستمراره في أيديهم ومعهم ، وفوائده الشاملة للدنيا والآخرة...والآية تعد امتدادا للآيات التي سبقتها ، وتتفق معها في الموضوع والهدف

02
أساليب أعداء الحق

يقول الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) .

صلة الآيتين بما قبلهما: لما بينت الآية السابقة أن المشركين لن يؤمنوا ، ولو جاءتهم الآيات ، لأنهم يجهلون الحق ، ويعادون رسول الله ﷺ بعد ذلك جاءت هاتان الآيتان لبيان أن لكل نبى أعداء من شياطين الإنس والجن ، والعدو لا يتبع من يعاديه.

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أن الله قضى بوجود أعداء من الجن والإنس لجميع الأنبياء مبينة أساليب هؤلاء الأعداء ، وتدعو الرسول ﷺ ليصبر ، ويتحمل ويأخذ حذره من هؤلاء الأعداء ، وليعلم المسلمون سنة الله مع أصحاب الحق حيث يوجد أعداء لهم في كل وقت ، ومكان .

03
دلائل توحيد الله في النبات

يقول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّتِ مَعْرُوشَت وَغَيْرَ مَعْرُوشَتِ وَالنَّخْلَ وَالزِّرْعَ مختلفًا أكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَبِها وَغَيْرَ مُتَشَابِرٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِمْ إِذَا أَثْمَرَ وَمَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا تُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) .

صلة الآية بما قبلها: بعد أن تناولت الآيات السابقة صورا لضلالات المشركين جاءت هذه الآية لتقدم أدلة توحيد الله تعالى ، وكمال صفاته سبحانه ، تواصلا مع الآيات الواردة قبل الآيات التي بينت مفاسد الضالين ، وذلك لتثبيت العقيدة ، وتأكيد ضرورة معرفة ما لله من حقوق يجب الإيمان بها ، والمحافظة عليها

موضوع الآية: تبين الآية أن الله أنشأ ، وخلق ، وأبدع بساتين مكونة من شجر باسق مرتفع ، يعتمد ورقه وثمره على عريش يحمله كالكرم ، واللوف ، وسائر النبات المتسلق ، وأبدع سبحانه بساتين أخرى تتكون من شجر قصير لا يرتفع وأنشأ النخيل ، والزروع تختلف ألوانها وأشكالها ، وصورها ، وطعامها ، وقد أمر الله بالأكل منها ، وإخراج زكاتها ، والتصدق منها بلا إسراف في المنع أو العطاء ..

04
دلائل توحيد الله في خلق الأنعام

يقول الله تعالى :(وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَقَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآية السابقة ما خلق الله للإنسان من بساتين وزرع وشجر وثمر جاءت هذه الآية لتبين ما خلق الله من الأنعام وما شرع الله للإنسان فيها .

موضوع الآية: تبين الآية أن الله خلق الأنعام ، وأوجدها ليستفيد بها الإنسان في الحمل والأكل ، وتأمر الآية المسلمين باتباع شرع الله ، والبعد عن الهوى ، وألاعيب الشياطين فعداوته ظاهرة بيئة

05
التعريف بسورة الأعراف

سورة "الأعراف" سورة مكية نزلت بعد سورة "ص" ، وقبل سورة "الجن" والتعريف بها يحتاج إلى توضيح ما يلي:

اسم السورة: تسمى السورة بسورة الأعراف، وقد عرفت بهذا الاسم من عهد النبي ﷺ عن زيد بن ثابت له أنه قال المروان بن عبد الحكم : مالي أراك تقرأ فيالمغرب بقصار السور ، وقد رأيت رسول الله ﷺ يقرأ بأطول الطوليين :قال مروان : يا أبا عبد الله ما أطول الطوليين ؟ قال زيد : سورة الأعراف وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺقرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف ، فرقها في ركعتين  .

وسبب تسميتها بهذا الاسم ورود اسم الأعراف فيها ، ولم يرد هذا الاسم في غير هذه الآية من القرآن الكريم وأيضا فقد تضمنت السورة بيان شأن أهل الأعراف في الآخرة ولم يرد هذا الذكر في غيرها والأعراف سور بين الجنة والنار ، وقد ورد ذكر هذه السور في القرآن الكريم ، يقول الله تعالى : ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظهرُهُ مِن قَبْلِهِ الْعَذَابُ ) وقت نزول السورة: سورة "الأعراف" سورة مكية كلها كما ورد ذلك عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس وابن الزبير رضى الله عنهم  . وورد عن فضل وقتادة أن السورة مكية إلا آيتين هما قوله تعالى :وَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرِّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )  . وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) 

06
فضل الله على الناس في الدنيا

يقول الله تعالى : ( وَلَقَدْ مَكَّنكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيشَ قَلِيلًا مَاتَشْكُرُونَ )

صلة الآية بما قبلها: بعد أن بينت الآيات السابقة أن الله سيسأل الجميع عن أعمالهم يوم القيامة وسيجازيهم بالعدل التام جاءت هذه الآية لبيان أن الله مكن للناس في الدنيا ، ورزقهم كل ما يحتاجون إليه ، ولا عذر لهم إن ضلوا في الدنيا وخسروا في الآخرة

موضوع الآية: تبين الآية أن الله أكرم الناس ، وسخر لهم الكون ، ومكن لهم في الأرض ، ورزقهم المعايش ألوانا متعددة ليشكروا الله ويعبدوه ، ومع هذا فالشكر قليل ، والشاكرون قليلون.

07
مع القصص القرآني في سورة " الأعراف "

تتناول الآيات من رقم (٥٩) إلى رقم (۹۳) عددا من قصص الرسل مع أقوامهم في إطار موضوع السورة ... حيث نرى في كل قصة عرض قضية العقيدة ، وضرورة الإيمان بالله الواحد ، والمناداة بضرورة قصر العبادة له وحده ، مع التحذير من عذاب الله الذى يستحقه الكافرون ، ونرى ردود الكفار على رسلهم ، واتهامهم لهم ، أن الرسل ردوا عليهم السلام على الكفار مزاعمهم وأباطيلهم ، وحاولوا إقناعهم ، وينتهى الحال بإيمان البعض ، وبقاء البعض على كفرهم ، حتى يحل بهم عقاب الله وعذابه .

إنه قصص يهتم بإظهار ضلال القوم ، وبطلان مزاعمهم ، وسوء مصيرهم ، ويركز على الدعوة إلى التوحيد قضية جميع الرسل ، ويتحرك في إطار عام واحد ، لا يتغير إلا في القضايا الأخلاقية والتشريعية التي اختلفت من أمة الأخرى، ان سورة الأعراف" تقدم الألوهية ، وتبرهن عليها ، وتفند الآراء الضالة في بلاغة تتغير صورها ، وتتحد في غايتها ، وأهدافها واني هنا سأورد القصص الثماني بإيجازها ، وبصورة متتابعة مكتفيا بتفسير آيات كل قصة من خلال تقسيمها إلى مشاهدها الرئيسية ، ثم أورد معنى القصة مكتفيا بما جاءت به الآيات ... وهكذا حتى انتهى من آيات القصص الثماني ، وبعد ذلك أبين بإذن الله تعالى أهم الركائز المستفادة من هذه القصص ، والله الموفق.

08
الجزء التاسع: توطئة

بدأ الجزء التاسع من قوله تعالى : ( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ، لَتُخْرِ جَنَّكَ يَشْعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا ) ... الخ . وكان الترتيب أن نبدأ بهذه الآية تفسير الجزء التاسع إلا أني رأيت بتوفيق الله أن أضر قصة شعيب مترابطة لا أفصل جزءا منها عن جزء آخر وبخاصة أني اتبعتها بعدد من الركائز المستفادة من قصص الرسل مع أممهم كما هو في نهاية الجزء الثامن . وقد ابتدأ الجزء التاسع من الآية رقم (۸۸) وامتد حتى منتصف سورة"الأنفال" بعد انتهاء الآية (٤٠) من سورة "الأنفال" وقد استغرق أغلب الجزء التاسع في سورة الأعراف" قصة موسى المع فرعون ، ومع بني إسرائيل وتعد سورة الأعراف" أول السور التي تحدثت عن بني إسرائيل لأنها نزلت بمكة ، وغيرها من السور التي تكلمت عن بني إسرائيل كانت مدنية وأخذت سورة "الأعراف" في حديثها عن بني إسرائيل بما تميزت به السورة ، وهى التركيز على الحوار بين الرسول والمدعوين ، وايراد المناقشات والحجج التي يقدمها كل طرف لإثبات ما ذهب إليه ، مع إبراز عاقبة المكذبين واثابة المؤمنين ولذلك تبدأ قصة بني إسرائيل بقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُوسَى بِقَايَتِنَا إِلَى (فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ، فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

09
سنة الله في الأمم السابقة

يقول الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نِّبي إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَاءِ لَعَلَّهُمْ يَضْرِّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفُوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ وَآبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) . بداية الجزء التاسع: بدأ الجزء التاسع من الآية رقم (۸۸) من قوله تعالى : ( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ، لَتُخْرِجَنَّكَ يَشُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) وقد أتيت بها مع الآيات قبلها لأنها تتحدث عن قصة "شعيب" ، وقد أدى ذلك إلى تفسير عدد من آيات الجزء التاسع في نهاية الجزء الثامن وعددها ست آيات ولذلك لزم التنويه ..

صلة الآيتين بما قبلها: بعد أن بينت الآيات السابقة قصص رسل الله ، ووضحت مواقف الكافرين من دين الله جاءت هاتان الآيتان لبيان سنة الله في الأمم السابقة بصورة عامة

موضوع الآيتين: الآيتان تبينان سنة الله في الأمم كلها حين يرسل لهم رسوله ، ويبين لهم المصير الطيب الذي يناله المؤمنون ، والمصير المؤلم الذي يستحقه العصاة المذنبون

10
تبكيت أهل القرى على عصيانهم

يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْم بَرَكَتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِهُم بَأْسُنَا بَيْتًا وَهُمْ نَابِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحَى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَسِرُونَ ) .

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآية السابقة أن الذين عصوا وتمردوا أخذهم الله بعذابه جاءت هذه الآيات لبيان أنهم لو آمنوا ، وصدقوا لانتهم بركات من الله تعالى ، وعلى أصحاب القرى أن لا يأمنوا أن يأتيهم عذاب الله تعالى ليلا ونهارا ، ولا يأمنوا أحداث القدر التى تأتى فجأة بلا إنذار ، ولا مقدمات .

موضوع الآيات: الآيات تبين أن أهل القرى لو آمنوا واتقوا لأتتهم بركات الله من كل جانب....إلا أنهم كفروا وكذبوا فأخذهم الله بعذاب هم السبب فيه . وتتعجب الآية من موقف أهل القرى ، وتسألهم عن سبب عدم خوفهم ، وعدم توقعهم أن يأتيهم بأس الله وهم في مأمنهم ليلا أو نهارا ، ولا يصح أبدا أن يأمنوا عذاب الله مع أنهم يخالفون أمره ، ولا يؤمنون به حق الإيمان

11
أخذ الله الميثاق على بنى آدم جميعا

يقول الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

سبب نزول الآيات: عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن قوله سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّهِمْ ﴾ فَسَأَلَ لله عنها رسول الله ﷺ فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسحظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية وقال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون  فقال رجل : يا رسول الله فقيم العمل ؟ فقال رسول الله : إن الله سبحانه وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة ) .

12
مثل الكافر الغافل عن آيات الله تعالى

 يقول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي وَآتَيْتَهُ وَآيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِفَايَتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِقَايَتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ )

صلة الآيات بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة أن الله أخذ العهد على الأدميين ، وهم في عالم الذر على أن يؤمنوا بالله تعالى جاءت هذه الآيات لتضرب مثلا للكافر بالكلب اللاهث حتى لا يقع فى هذه الصورة الذين يسمعونها ، فهو مثل سئ يستحقه كل كافر ضال

موضوع الآيات: تضرب الآيات مثلا للعالم الذى أنته الآيات الإيمانية ليلازم الفطرة ولا يكفر ، ولا يهمل الآيات ، إلا أنه ينسلخ من الآيات ويقع في وساوس الشيطان ، ولذا تضرب الآيات له مثلا بالكلب اللاهث دائما حيث لا فائدة فيه ، وهذا مثل سي ضربه الله للعلماء الضالين والمكذبين بآيات الله ليكونوا عبرة وعظة لغيرهم

13
سورة الأنفال: توطئة

انتهيت بعون الله تعالى من تفسير سورة الأعراف" ، وعشنا مع دور إبليس اللعين في إخراج آدم من الجنة ، واظهار عداوته للإنسان في كل وقت ومكان كما عشنا مع قصص الأنبياء قبل إبراهيم ال لبيان جدل الكفار ، وأخلاقهم ، وتعنتهم في الرد على رسل الله عليهم السلام ، وفي هذا المجال كانت قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام مع أقوامهم . وتنتقل السورة إلى قصة موسى الله مع فرعون وملائه ، ومع بني إسرائيل ، وتبين تجذر الضلال والفساد في قلوب الكافرين . وتوضح أخلاق بنى إسرائيل ، وميلهم إلى التصور المادى في كل أعمالهم وأخلاقهم. وقد جاءت قصة بنى إسرائيل مفصلة طويلة ليستفيد بها المسلمون فقد سبق علم الله أن المسلمين على طول الزمن في اشتباك مع الإسرائيليين ووجب عليهم أن يعرفوا الكثير منهم وعنهم .. وبعد سورة "الأعراف" تأتى سورة "الأنفال" تتحدث عن الجهاد وتبين فضل الله على المسلمين ، وهم يجاهدون في سبيل الله تعالى وتفصل سورة "الأنفال في انتصار المسلمين في معركة بدر ، وبينت جنود الله المبثوثة في الكون والحياة ... ومنها ما جعله الله نصرا للمسلمين يوم "بدر" فلقد نزلت الملائكة ، وتقدمت صفوف المقاتلين ، وقتلت أعداء الله ، ونزول المطر ليقوم بدوره في تثبيت المؤمنين ، واضعاف الضالين وقد حدثت عجائب خارقة في هذه الغزوة

14
التعريف بسورة الأنفال

سورة "الأنفال" سورة مدنية نزلت بعد سورة البقرة" ، وهي السورة الثامنة في المصحف العثماني ، المدونة بعد سور "الأعراف" . والتعريف بالسورة يتناول المسائل التالية :

- أولا -عدد آيات السورة آيات سورة "الأنفال" سبع وسبعون عن الشاميين ، وست وسبعون عند البصريين والحجازيين ، وخمس وسبعون عند الكوفيين

- ثانيا -تنزلات سورة الأنفال" ذهب عبد الله بن الزبير ، وزيد بن ثابت ورواية عن ابن عباس رضى الله عنهم أن سورة "الأنفال" كلها مدنية ، ولم يستثنوا من ذلك شيئا وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومقاتل رضى الله عنهم إن سورة "الأنفال" مدنية إلا آية : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ تخرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) فإنها نزلت بمكة . وذكر آخرون أن قوله تعالى : ( يَتَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نزلت في مكة بعدما اسلم عمر بن الخطاب الله لأنها نزلت فيه .

15
تفسير سورة الأنفال

أحكام الغنائم \ يقول الله تعالى: (يَسْتَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) سبب نزول الآية: يقول ابن عباس لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ : من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا ، ومن أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا ، ومن قتل قتيلا فله كذا فتسارع الشباب ، وبقيت الشيوخ ، تحت الرايات ، فلما فتح الله عليهم جاوا يطلبون ما جعل لهم النبي ﷺ ، فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا به دوننا ولا تستأثروا به علينا ، فإنا كنا ردها لكم ولو انكشفتم إلينا فتنازعوا . فأنزل الله عز وجل : ( يَسْتَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ) الآية (1) ..

موضوع الآية: تبين الآية سؤال الصحابة رسول الله ﷺ بعد بدر أن يبين لهم حكم ما غنموا بعد أن اختلفوا فيه ، فأخبرهم رسول الله أن الحكم الله تعالى ، والرسول ﷺ يبلغكم ، كما أمرهم أن يتقوا الله ، ويصلحوا ذات بينهم ، ويطيعوا الله ورسوله كشأن المؤمنين في الغنائم وفي سائر أمور الحياة .

16
دعوة المؤمنين إلى الطاعة وتحذيرهم من التشبه بالضالين

يقول الله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرِّ الدَّوَاتِ عِندَ اللَّهِ الصُّمُ الْبُكُمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُم مُّعْرِضُونَ ) .

صلة الآيات بما بما قبلها: لما بينت الآية السابقة ضلال الكافرين ، ودعوتهم إلى الحق ، جاءت هذه الآيات الدعوة المؤمنين إلى التزام طاعة الله ورسوله ، وحذرتهم من عدم الاستفادة بتعاليم الله تعالى ، لأن شر الناس من يسمع ولا يستفيد ، ومن يرى ولا يعقل ولا يعلم ولا يعمل

موضوع الآيات: تبين الآيات أمر الله لطاعته ورسوله بتطبيق تعاليم الإسلام ، وعدم تركها فهي بين أيديهم يسمعونها ، ويقرأونها ، وتحذرهم كذلك من أن يتشبهوا بالمشركين الذى يدعون السمع وهم لا يعقلون ، وشر الناس من يسمع ولا يفهم ، ويقرأ ولا يعقل ، وعلى الضال أن يلوم نفسه فقد عطل فطرته ابتداء ، وأفسد ميوله وأمانيه ، والله عليم به منذ الأزل ولذلك أضله ، وحرمه من الهداية والتوفيق

17
الجزء العاشر: توطئة

يبدأ الجزء العاشر من الآية رقم (٤١) من سورة "الأنفال" في منتصف السورة تقريبا وسورة "الأنفال" كلها تتناول غزوة بدر ، وتبين نعم الله تعالى على المؤمنين ، فلقد مكنهم من النصر ، وأعانهم بجنده ، ونلاحظ أن النصف الثانى من سورة "الأنفال" يتحد مع نصفها الأول في الموضوع والغاية لأنه يتناول بيان حكم الغنائم بالتفصيل ، ويوضح أن الذين يلتزمون بحكم الله هم المؤمنون المخلصون ، ويذكر نعم الله المعجزة التي بثها في قلوب المؤمنين والمشركين بعد أن جمعهم في مكان "بدر" بلا تواعد بينهم ونزول المسلمين بالعدوة الدنيا ، ونزول المشركين بالعدوة القصوى .

ومن معجزات الله للمسلمين أن أراهم فى منامهم قلة عدد عدوهم ليطمئنوا ، ويقدموا على القتال بلا خوف ولا رهبة ، فلما حدث القتال نزلت الملائكة وتم نصر الله تعالى، وتستمر الآيات تأمر بطاعة الله ورسوله ، وعدم القرار يوم الزحف ،والحذر من ألاعيب إبليس ، وسلوك المنافقين ... وليأخذوا العظة والعبرة من فعل الله بالأمم السابقة ، وآل فرعون

18
التفسير: أحكام الغنائم

يقول الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآية السابقة أن الله مولى المؤمنين يؤيدهم وينصرهم جاءت هذه الآية لبيان حكم توزيع الغنائم موضوع الآية: تبين الآية أن الغنائم تقسم أخماسا الله ورسوله ، ولذى القربي ، واليتامى والمساكين ، وابن السبيل والمؤمنون بالله وبالقرآن الكريم يلتزمون بما حكم الله به

الدلالات اللغوية: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ) أي واعلموا أيها المؤمنون حكم الغنائم مهما قل قدرها . ذهب البعض إلى أن الغنيمة والفئ بمعنى واحد إلا أن جمهور العلماء يرى أن الغنيمة تعنى ما أخذه المسلمون من عدوهم بالحرب ، والقتال ، ويشمل المال المنقول دون الأرض والعقار .... والفئ ما أخذ بغير حرب وقتال ، ولا يشمل الأرض والعقار أيضا 

19
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد ... فقد أعانني الله تعالى على إتمام المجلد السادس من مؤلفى في التصير ركائز القدوة في تفسير الدعوة ، واسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به ، وأن يدخر ثوابى عنده لأجده في قبرى نورا ، وسعة ، ورحمة ... وفي آخرتي نعيما ورضوانا ، وأملى أن يجد الدعاة مصباحا ينير طريقهم إلى القرآن الكريم ، فهو مصدر دينهم ، وأساس دعوتهم ، ومنهجهم في السعادة والفلاح ، وهذا الأمل يحتاج إلى جهد العلماء ، ومتابعة الدعاة ، وتعاون المفكرين المسلمين ولذا أو من بضرورة مشاركة الدعاة في هذا العمل لما له من أهمية تشمل الحياة والأحياء.

إن نجاح الدعوة إلى الله يعنى نجاح الأمة ، ويعنى إحياء الإسلام لتصنع الأمة التي أرادها الله تعالى ، وهى التى أخرجها الله للناس في القرن الأول ، وعنها يقول الله تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )، لقد آمنت بحاجة الدعاة إلى تفسير بقربهم من القرآن الكريم ، ويمدهم بالركائز التي يقودون بها الأمة للخير ، ويهدون الناس بها إلى صراط الله المستقيم

الى الاعلى