Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد العاشر:تفسير من سورة (المؤمنون) إلى سورة (العنكبوت)

الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...وبعد ،، "فقد تم بحمد الله تعالى ، وبعونه تفسير المجلد التاسع من :"ركائز القدوة في تفسير الدعوة وقد انتهى المجلد التاسع بتفسير سورة "الحج" ، وهذا فضل كبير من الله تعالى علي ، وأسأله سبحانه وتعالى أن ينعم علي بالمزيد ، وأن يوفقني لتحقيق الأمل لأنتهى من تفسير القرآن الكريم كله وفق المنهج الذي وضعته ورجوت فيه ربي لأتمكن من الانتهاء من التفسير وفق المنهج الذي حددته وهو :

(۱) بيان المعنى المراد من الآيات في صورة تحليلية مفصلة .

(۲) إظهار المعنى اللغوى للألفاظ ، وللنظم من خلال التفسير ليظهر المعنى الكلى للآيات على أساس المفهوم اللغوى للآيات والجمل القرآنية

(۳) أن يقدم للدعاة أهم الركائز التي تفيدها الآيات ، والتي بتطبيقها يكون الدعاة قادة ، ومصلحين وسط الناس ليحققوا الريادة الدينية.

(٤) إبراز الركائز المستفادة من الآيات لتوضيح مفهوم دعوى يرتبط بركن أو أكثر من أركان الدعوة ، وقد ترتبط الركائز بالآيات ارتباطا مباشرا أو بعيدا لأني أقصد أن يستفيد الدعاة بالآيات ، ويتخذوها موضوعا لكلامهم ، وعملهم ، ويجمعوا مع الركائز ما يناسبها من آيات الله تعالى ومن السنة النبوية ..

(0) عرضت القصص القرآني مجزءا ، وقسمت القصة الواحدة الطويلة الآيات في السورة الواحدة إلى مواقف ، أو مشاهد ، أو مقاطع في صور متتابعة حتى تكتمل القصة ، لأن ذلك يوضح القصة كلها ، ويمكن الدعاة من عرض القصة الواحدة مجزأة ليحيط كل جزء بالعبر والدروس والعظات المستفادة منه ، وهذا إثراء لكلمات القرآن الكريم ، واستفادة بالقصص ، وترسيخ للعبرة في الفؤاد والضمير

(٦) حرصت على إيراد الأحاديث الصحيحة ، الموافقة للآيات لتكون زادا للدعاة ، وهم يدعون الناس بالقرآن الكريم .

(۷) حاولت بقدر الإمكان البعد عن الخلافات المذهبية والكلامية منعا للتشتت الفكري الذي يحقق الجدل والمراء ، واكتفيت بعرض مذهب أهل السنة المهتدى بهدى القرآن الكريم ، وبأسلوبه في الدعوة والخطاب

(۸) حاولت إحاطة الآيات بأمور ترتبط بها مثل صلتها بما قبلها ، وبيان موضوعها الرئيسي ، وتلخيص معناها العام ، لتوضيح المعنى بأكثر من طريق .

هذا ما أملته في منهجي ، وأرجو أن يوفقني الله فيه ، وينفع به ، والله من وراء القصد ، وهو حسبي ، ونعم الوكيل 

01
التعريف بسورة "المؤمنون"

يحتاج التعريف بسورة المؤمنون إلى دراسة المباحث التالية: 

أولًا|تنزلات السورة: سورة المؤمنون" هي أول الجزء الثامن عشر ، وهي سورة مكية بالإجماع ، وقد ذهب البعض إلى أن بعض آياتها مدنية لتناولها بعض الفرائض التي شرعت في المدينة ، ولذلك قالوا : إن قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ) آية مدنية ، لأنها تكلمت عن الزكاة التى لم تفرض إلا بعد الهجرة في المدينة المنورة، وقد رد العلماء عليهم بأن الزكاة المذكورة في الآية هي الصدقة ، وليست هي الزكاة المفروضة ، والمشهور في القرآن الكريم إن الزكاة كانت معروفة في الأديان السابقة ، وفق شريعتها . يقول الله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ اسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) . ويقول الله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَوٰةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) وعلى هذا يكون ذكر الزكاة في القرآن المكى جائزا بما ساد من مفهوم الزكاة عند أهل مكة قبل الهجرة .

وعلى ذلك فالسورة مكية بالإجماع كما قطع بذلك أبو حيان في البحر
المحيط . وعدد آيات السورة مائة وسبع عشرة آية عند الجمهور ، وعدها أهل الكوفة مائة وثمان عشرة آية وقد نزلت السورة بعد سورة "الطور" .

ثانيًا|مسميات السورة: سميت السورة بأربعة أسماء هي :

(۱) سميت السورة باسم "سورة المؤمنون" لأنها بدأت بالحديث عن فلاح المؤمنين .

يروى النسائي بسنده عن عبد الله بن السائب الله قال : حضرت رسول الله يوم الفتح فصلى قبل الكعبة فخلع نعليه ، فوضعهما عن يساره ، فافتتح بـ "سورة المؤمنون ، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى أخذته سعلة فركع  .

(۲) تسمى السورة بـ "المؤمنين لورود لفظ المؤمنين في أولها فجعلها رسول الله ﷺ اسما للسورة

(۳) وتسمى السورة بسورة "الفلاح" ، يقول أبو القاسم أخرج لنا مالك مصحفا لجده فتحدثنا أنه كتبه على عهد عثمان بن عفان له ... فوجدنا في سورة قد أفلح" الثلاث كلها لله

٤) وتسمى السورة بسورة "الفلاح" لذكر الفلاح في أولها ، وقد مدح النبي ﷺ الآيات العشر في أولها

عن عمر بن الخطاب قال : كان إذا نزل على رسول الله ﷺ الوحي نسمع عند وجهه دويا كدوي النحل ، فأنزل عليه يوما ، فمكثنا ساعة فسرى عنه ، فاستقبل القبلة فرفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ، ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وأثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا وارضنا ثم قال : لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة" . ثم قرأ : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) حتى ختم العشر  .

02
تفسير سورة المؤمنون

فلاح المؤمنين" موضوع الآية"

تبين الآية ثبوت فلاح المؤمنين في الدنيا والآخرة بسبب صدقهم في الإيمان والتقوى

:الدلالات اللغوية\ يقول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) قد تدخل على الفعل الماضي فتؤكد وقوعه وتثبته ، وتبين قرب وقوعه .

والفلاح هو الظفر بالمراد ، ونيل الغاية المرجوة ، ويعم الجوانب المادية والمعنوية ، ويصل بصاحبه إلى الرضى .

ونسبة الفلاح إلى المؤمنين لبيان أن السبب الذي حقق فلاحهم هو الإيمان الذي التزموا به حتى صار مسمى لهم ، واشتمل على كيانهم كله .

والإيمان وصف جامع للدين كله، واتصاف إنسان به يعني صحة عقيدته ويست قامة عمله، وكرم خلقه، وتمسكه بهدى الله في كل أحواله وحالاته

... ولسان حاله يؤكد قول الله تعالى : ( إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )  .

معنـى الآيـة: تبين الآية ثبوت فلاح المؤمنين ، وتحقيق ما يأملون ويرغبون بسبب إيمانهم بالله تعالى واستقامتهم على منهجه سبحانه وتعالى ، والتزامهم التام بطاعة الله تعالى ، فيفعلون ما يأمرهم به ، وما يبيحه لهم ، وينتهون عما نهاهم عنه .

03
مع قصص سورة "المؤمنون"

بعد أن بينت الآيات السابقة آيات الله فى خلق الإنسان ، وإحاطته بآيات السماء وطرقها ، وبالمطر ونزوله ، وإنبات الزرع ، والشجر ، ويخلق الأنعام وفوائدها جاءت الآيات من الآية رقم (23) إلى الآية رقم (58) لعرض قصص الأمم السابقة مع رسلهم ، وبيان أن الرسل دعوا قومهم إلى توحيد الله تعالى ، وعبادته سبحانه وتعالى وحده ، وأنهم ناقشوا المشركين فى عبادة الأصنام ، وحاوروهم وذكروهم بآيات الله تعالى .

وتبين الآيات أن المشركين كذبوا الرسل واستهزأوا بهم واتهموهم بالسحر  وادعاء النبوية ... ولم يؤمنوا بالله ، وأنكروا النعم التى خلقها الله لهم .

ونلحظ فى القصص فى سورة "المؤمنين" أنه يركز على بيان جرائم الأقوام ، ويبرز مواقفهم الضالة من الرسل ، وإنكارهم دين الله تعالى ، وتنتهى الآيات ببيان المصير المهلك الذى ألحقه الله بهؤلاء الضالين ، والمآل الحسن الذى نجى الله به رسله والمؤمنين

04
التعريف بسورة "النور"

يحتاج التعريف بسورة النور إلى بحث المسائل التالية: 

أولًا\ تنزلات السورة: سورة "النور" سورة مدنية بالإجماع ، ولم يخالف في مدنيتها إلا ما جاء في تفسير حاشية الخفاجي على تفسير البيضاوى حيث جاء أن قوله تعالى : يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَعْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحلم مِنكُمْ ثَلَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَوَةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَا ن كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) آية مكية ، وتبعهم القرطبي في ذلك ، مع أنه ذكر في سبب نزول الآية أنها مدنية

05
أهمية سورة النور

(يقول الله تعالى: سُورَةُ أَنزَلْنَهَا وَفَرَضْنَهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا وَايَاتٍ بَيْنَتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  .

موضوع الآية: تبين الآية أن الله أنزل سورة "النور" مشتملة على أحكام هامة ، فرضها الله ، وأوجبها ، وأنزل فيها آيات بينات أملا في تذكركم ، وايمانكم .

الدلالات اللغوية: (سُورَةُ ) اسم مرفوع على الابتداء أو الخبرية ، وخبرها أو مبتداها محذوف ، والجملة جئ بها لإظهار معناها ، ومدح السورة بها ، وبيان علو 

أحكامها المعلومة لمن يقرؤها أو يسمعها ، وليس المقصود من الجملة الخبرية إفادة الخبر أو لازمه، والسورة اسم المجموعة من آيات القرآن الكريم لها ابتداء وانتهاء ، محددة توقيفا ، وهي مشتقة من السور لأنها جزء من القرآن الكريم ، أو من السور العالى المحيط بالمدينة لحفظها ، وصيانتها .. ونكرت "سورة وجاءت منونة لبيان قدرها العالى ، والإشارة إلى زيادة فوائدها ، ولم تصدر سورة قرآنية بمثل ما بدأت به سورة "النور" لبيان أنها سورة مشتملة على أحكام مفروضة وهامة .

06
سورة "الفرقان"

:التعريف بسورة الفرقان: أولًا "تنزلات السورة \ سورة "الفرقان سورة مكية عند الجمهور ، والذى صح عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السورة مكية . ففي صحيح البخاري أن القاسم بن أبي برة لله سأل سعيد بن جبير الله : هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ (فقرأت عليه قوله تعالى : ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ . فقال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي .. فقال ابن عباس رضى الله عنهما : هذه آية مكية نسختها آية مدنية نزلت في سورة النساء" وهى : ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) وهذا رد على من ذكر أن ابن عباس الله قال : إن آية سورة "الفرقان" مدنية 

07
عظمة الله تعالى وفضله على عباده

يقول الله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ، لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) .

موضوع الآية: تبين الآية عظمة الله ، وتعاليه ، وفضله على الناس فقد أرسل محمدا ﷺ نذيرا إلى جميع الإنس والجن

الدلالات اللغوية تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) بدأت السورة بالفعل الماضي ( تَبَارَكَ ) على غير عادة العرب في ابتداء كلامهم ، فإنهم لم يبدأو كلامهم بالفعل الماضي إلا نادرا ، وفى هذه براعة في الاستهلال ، لأن الندرة من العزة ، والعزة في الكلام من محاسن الألفاظ لخلوها من الابتذال ، ولـ (تَبَارَكَ ) عدة معان تتحقق كلها في نعم الله تعالى ، وتنطق بجلال الله ، وكمال قدرته ، وصفاته

08
الرد على منكري البعث

يقول الله تعالى :(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُنُوا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْتَهُ هَبَاءٌ مِّنثُورًا ) .

صلة الآيات بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة الخزى والندامة التي يكون عليها المشركون يوم القيامة جاءت هذه الآيات للرد على منكرى البعث ، وتفنيد مزاعمهم ، وأباطيلهم ، وحالهم وأعمالهم يوم القيامة

موضوع الآيات: تبين الآيات أن منكرى البعث يطلبون الملائكة لتشهد أمامهم برسالة محمد ، ولجأوا إلى الكبر والتعالى ، وضلوا ضلالا بعيدا فعرفهم الله أن الملائكة ستنزل عليهم في الآخرة بالويل والثبور ، وتمنعهم من الخير في وقت لا يجدون لهم عملا فقد جعله الله هباء منثورا

الدلالات اللغوية: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ) أى قال المشركون الذين لا يأملون لقاء الله في الآخرة ، وسبب عدم رجائهم أنهم ينكرون حدوثه ، ومن ينكر وقوعه لا يرجو منه شيئا ، ومن يؤمن به يأمل الخير فيه.

09
التعريف بسورة الشعراء

أولًا: تنزلات السورة : سورة "الشعراء" سورة مكية ، روى ذلك عن ابن الزبير ونسبه ابن عطية إلى الجمهور كما جاءت رواية عن مكيتها عن ابن عباس رضى الله عنهما في رواية ابن مردوية، وقد تتبع ابن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير" الأقوال التى ذكرت أن بعض الآيات مدنية ، ورجح أن تكون السورة مكية مؤيدا بذلك الروايات المذكورة .

يقول ابن عاشور : روى عن ابن عباس أن قوله تعالى : ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) إلى آخر السورة نزل بالمدينة لذكر شعراء رسول الله ﷺ حسان بن ثابت وابن رواحة وكعب بن مالك عليهم السلام وهم المعنيون بقوله تعالى : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) . ولعل هذه الآية هي التي جعلت هؤلاء العلماء يقولون : إن تلك الآيات مدنية

يقول عن الدانى : نزلت ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) في شاعرين تهاجيا في الجاهلية .. يقول ابن عاشور : كان شعراء بمكة يهجون النبي ﷺ منهم النضر بن الحارث ، والعوراء بنت حرب ، زوج أبى لهب ونحوهما ، وهم المراد بآيات وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) . وكان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة ، وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة .

10
التفسير

بيان عظمة القرآن الكريم\ يقول الله تعالى: ( طسم (1)تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) 

موضوع الآيتين: تبين الآيتان عظمة القرآن الكريم فهو كلام الله المعجز المتحدى بأقصر سورة منه وهو الكتاب الذى لا ريب فيه ، الذى يسره الله للناس ، وحدد به طريق سعادة الدنيا والآخرة

الدلالات اللغوية: طسم ( هذه حروف مقطعة يقال فيها ما قبل في بداية السور السابقة التي بدأت بالحروف المقطعة ، وأشهرها أنها تفيد الإعجاز ، وتنبه الغافلين ليسمعوا ما بعدها ، ويدركوا شيئا من الأسرار التى وضعها الله في خلقه ليفهم الإنسان نفسه ، ويقدر ربه حق التقدير تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( الإشارة لآيات القرآن التي نزلت قبل نزول السورة أو المقصود بها آيات سورة الشعراء" لإثبات التحدى بأجزاء القرآن تفصيلا كما ثبت الإعجاز بجميعه إجمالا والمعنى : هذه آيات القرآن الكريم تقرأ عليكم ، وهي بلغتكم ، وحروف هجائكم ، فأتوا بآيات مثلها أو دونها والكاف في قوله ( تِلْكَ ) تفيد الخطاب الموجه لكل متأهل لهذا التحدى من غير تعيين، والإشارة تفيد علو الآيات ، وبيان ما فيها من بلاغة الأسلوب ، ودقة المعاني ، وحسن التوجيه والألف واللام في ( الكتب للعهد تفيد أنه القرآن الكريم المعهود لكم هو الكتاب المتميز بخصائصه ، ومعانيه

11
التعريف بسورة "النمل"

أولًا : تنزلات السورة \ سورة "النمل" سورة مكية بالاتفاق ، وما ورد أن بعض آياتها مدنى لا دليل عليه .وعدد آياتها خمس تسعون آية عند الحجازيين ، وأربع وتسعون آية عند البصريين والشاميين ، وثلاث وتسعون آية عند الكوفيين، وقد نزلت سورة "النمل" بعد سورة "الشعراء" .. والبسملة جزء من بناء السورة ، فقد جاءت منها ، وهذا لم يأت في سورة آخرى

ثانيًا: أسماء السورة: تسمى السورة بعدة أسماء هي :
(۱) سورة "النمل" وهو أشهر أسمائها ، وسميت بهذا الاسم لورود قصة النمل منع سليمان اللي فيها ، وأجمع المفسرون على هذا الاسم

(۲) سورة "سليمان" لأن قصة سليمان لم تأت مفصلة إلا في هذه السورة .

(۳) سورة "الهدهد" لأنها هي السورة الوحيدة التي تحدثت عن الهدهد

12
إعجاز القرآن الكريم

يقول الله تعالى :  (طسَ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ) .. موضوع الآية بدأت الآية بكلمة مكونة من حرفين هما الطاء والسين ، وينطقان مقطعين حرفا حرفا ، ثم بينت اشتمال القرآن على آيات مكتوبة وواضح

الدلالات اللغوية: ( طس ) هذه حروف مقطعة سبق بيان ذكر المراد بها ، وقد ذهب العلماء في المراد بها مذاهب شتى أهمها أنها للتنبيه ، واثبات إعجاز القرآن الكريم . ( تِلْكَ ) إشارة إلى السورة ، أو الآيات التي نزلت ، أو إلى آيات القرآن الكريم كلها ، وأفاد اسم الإشارة بعد المنزلة في الفضل والشرف . ( آيَاتُ الْقُرْءَانِ ) الآيات جمع آية وهذا قدر محدد من كلمات القرآن الكريم ، وسمى هذا القدر بآية لدلالته على حجة وبرهان نزل لتحقيقه ... و "ال" في القرآن للعهد تعظيما للقرآن الكريم فهو الكتاب المنزل على محمد ﷺ الموصوف بالكمالات التي لا نهاية لها ، ويراد به القرآن الكريم كله أو بعضه ففي كله أو بعضه المزايا التي يراد إثباتها بالإشارة والتعريف وَ( كِتَابِ ) المراد به القرآن نفسه ، وانما جاز العطف هنا لدلالة كل اسم على صفة معينة ، فالقرآن يدل على المقروء ، والكتاب يدل على المكتوب ، وقدمت الآية القرآن على الكتاب مراعاة للواقع لأن العرب أمة أمية ، تقدم حفظ القرآن وقراءته على المكتوب المدون عندهم . وقد اتبع المسلمون من صحابة رسول الله هذا المنهج مع القرآن الكريم وهم يسمعونه مثلوا من رسول الله ، فكانوا يقرأونه على رسول الله عند حفظه وقبل كتابته ، وأذن رسول الله لمن يجيد الكتابة أن يكتبه بعد ذلك . وقد تلقى الرسول الله ﷺ القرآن مقروءا من جبريل عليه السلام . وقد أوردت الآية "القرآن" معرفا ، و "الكتاب" نكرة منونة ، وذلك لاستيعاب الفخامة كلها لأن في التعريف نوع من الفخامة ، وفي التنكير نوع آخر فجمعت الآية بينهما لذلك

13
الجزء "العشرون"

ضرورة حمد الله تعالى .. يقول الله تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى وَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ )

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة ضلال الكافرين ، والحاق عقوبة الله لهم جاءت هذه الآية تأمر رسول الله بحمد الله والصلاة والسلام على عباده المخلصين إقرار لفضلهم واستمرار لعطاء الله تعالى .. موضوع الآية: تبين الآيات ضرورة البدء بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى عباده الأخيار مع تبكيت المشركين على شركهم بإعلامهم أن عبادة الله خير مما يعبدون .

الدلالات اللغوية: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) هذا أمر الرسول الله ﷺ يأمره فيه أن يحمد ربه شكرا على نعمه ، وآلائه التي لا تعد ولا تحصى ، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم لرسالته ، وهم أنبياؤهم الكرام ، ورسله الأخيار . وفى هذا الأمر تعليم للبدء الحسن في كل أمر بذكر الله وذكر رسله ، والاستظهار بهذا الذكر على حسن الاستماع ، وحسن الطاعة . وقد ساروا العلماء والدعاة على هذا الأدب ، ففى سائر المؤلفات يبدأون كتبهم بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وفى كل كلمات الدعاة يكون البدء الحسن كذلك ، حتى اشترط العلماء في خطبة الجمعة أن تبدأ بهذا الذكر حتى لا تكون شوهاء أو جذماء

14
التعريف بسورة "القصص"

أولًا : تنزلات السورة |ذهب جمهور المفسرين من التابعين إلى أن سورة "القصص" كلها مكية نزلت قبل الهجرة ، ويرون أن قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل نَّتِي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) E نزلت أثناء الهجرة ورسول الله ﷺ في الجحفة في طريقة إلى المدينة ... فعن يحيى بن سلام الله أن جبريل اللي نزل على رسول الله ﷺ بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة

ثانيًا: اسم السورة|  (تسمى السورة باسم واحد هو سورة القصص" وهو اللفظ الوارد في قوله على تعالى : ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . فلقد قص موسى القصصه كله على شعيب حين وصل إليه فطمأنه وبهذا الاسم سميت السورة . فإن قيل : ورد اسم "القصص" في سورة "يوسف" فلم لم تسم سورة "يوسف" باسم "القصص" ؟

15
تفسير سورة" القصص"

بيان القرآن الكريم  .. يقول الله تعالى : (طَسَمَ (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2 )  .. موضوع الآيتين: تبين الآيتان ما في القرآن الكريم من إعجاز ، وارشاد ، وتوضح ما فيه من البيان المنزل في كتاب الله الكريم . 

الدلالات اللغوية: (طسم ) هذه حروف مقطعة ، تقرأ حرفا حرفا (ط ، س ، م) ، وبها يثبت إعجاز القرآن الكريم ، وتتيقظ العقول والافئدة لسماع القرآن الكريم وفيها من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله تعالى . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( الإشارة إلى آيات القرآن الكريم التي نزلت أو إلى آيات القرآن الكريم كله لبيان رفعتها ، وعلوها ، وبيانها المفصل لكل ما تحدثت عنه حتى صار القرآن الكريم بهذه المزايا هو الكتاب المنزل الجدير باسمه فقد فاق كل الكتب غيره .

16
التعريف بسورة "العنكبوت"

سورة "العنكبوت" سورة مكية ، إلا آيتين في أولها ، نزلتا في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ، فقد خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من المشركين بسهم ، فقتله ، فجزع عليه أبوه وامرأته ، فأنزل الله هاتين الآيتين بعد بدر ليطمئنا على مكانته عند الله تعالى، وقد نزلت السورة بعد سورة "الروم" ، ولم ينزل بعدها في مكة إلا سورة "المطففين" . وللسورة اسم واحد هو سورة العنكبوت" لأن العنكبوت لم يرد ذكره إلا في هذه السورة في قوله تعالى : ( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) وقد كان المشركون إذا سمعوا تسمية السورة بـ "العنكبوت" يستهزءون بالسورة ، وبرسول الله له فنزل قول الله تعالى : ( إنا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءينَ ) ومثل هذا الاستهزاء كانوا يفعلونه عند ذكر النحل والنمل والذباب في سورة النحل" و "النمل" و "الحج" .

17
التفسير

ضرورة الابتلاء وأهميته .. يقول الله تعالى:(الذي أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَذِبِينَ )

سبب نزول الآيات: نزلت هذه الآية في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب النبي ﷺ أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فأتبعهم المشركون فقاتلهم الكفار ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا فأنزل الله هاتين الآيتين

وقال ابن عباس : أراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر رضي الله عنهم وغيرهم وقيل : في عمار بن ياسر رضى الله عنهما كان يعذب في الله تعالى وقيل : في مهجع بن عبد الله مولى عمر رضى الله عنهما وكان أول من قتل من المسلمين يوم "بدر" فقال النبي ﷺ : "سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله هذه الآية

18
قصص سورة "العنكبوت"

بينت سورة "العنكبوت" في أولها ضرورة الابتلاء لإظهار المؤمنين من المنافقين ، وضربت نموذجا للإيمان والنفاق والكفر ... وبعد ذلك عرضت قصصها مركزة على بيان نجاح الرسل واتباعهم ، وخزى الكافرين ومصيرهم، ونلاحظ أن قصص السورة لم يسر على نمط واحد في الطول والقصر فجاء بعضه في بعض آية ، أو في آية ، أو في آيتين، كقصص نوح العلي ، وشعيب القليل ، وقصة موسى العلي مع قارون وفرعون وهامان ، وقصة عاد وثمود ... وجاءت قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام في عشرين آية، ونجد في قصة لوط اللي في سورة العنكبوت تفصيل رحلة حركة الملائكة بين مقام إبراهيم العلي وقرية قوم لوط الليل ، وهذا لم يوجد في سور أخرى . وسأعرض القصص قصة قصة كما وردت في السورة .

19
الجزء الحادي والعشرون

منهج دعوة أهل الكتاب\ يقول الله تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ فَالَّذِينَ آتَيْنَهُمُ مل الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِقَايَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ).

صلة الآيتين بما قبلها: بعدما بينت الآيات السابقة هوان آلهة المشركين جاءت هذه الآيات لبيان منهج دعوة أهل الكتاب ، لأنهم موحدون ، ولهم كتاب من الله تعالى

موضوع الآيتين: تبين الآيتان منهج دعوة أهل الكتاب ، ومجادلتهم بالحسنى ، وابراز نقاط الاتفاق والاختلاف بين المسلمين وبينهم ، فقد أنزل الله القرآن الكريم كما أنزل التوراة والإنجيل ، وتبين أن بعض أهل الكتاب يؤمن بالقرآن الكريم ، وما يكفر به إلا الجاحدون .

20
الخاتمة

الحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ، وصحبه ... ومن والاه .. وبعد ،، فقد أعانني الله تعالى على إتمام المجلد العاشر بتمام تفسير سورة "العنكبوت" ، وهذا فضل كبير من الله تعالى لا أستطيع أن أوفيه شكره ما حييت ، وربى غفور رحيم

إن أي جهد بشرى لا يصل إلى الكمال أبدا ، وكل ما أتمناه لهذا التفسير أن يضيف فائدة ما للدعاة ، وأن يجعله الله تعالى بداية لعديد من المؤلفات حول الدعوة والدعاة استنباطا من القرآن الكريم وأملا في مزيد من الفائدة اتجه للعلماء ، وبخاصة الدعاة منهم ليجتهدوا في هذا الجانب العلمي الهام ، وأن يخصوني بالنصح والتوجيه لأصحح قصورا عندى ، أو أصوب خطأ وقعت فيه ، أو أعلو بفكر يرونه لي .

إن مشاركة العلماء في النصح إثراء للفكرة ، وتجلية للغامض وتصحيح للمسار ، وهذا ما أتمناه لم أتصور مطلقا استطاعتى على إنجاز مؤلف تفسيرى بهذا الحجم وحدى ، وقد عشت هذا التصور مدة طويلة أحجم فيها عن الإقدام ، وكانت إرادة الله أن أبدأ مع كبر سنى وكانت معونته سبحانه وتعالى وتوفيقه هي الزاد ، وهي السداد آمل في الله السداد والتوفيق ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقني القوة التي تبعد الضعف عنى وأن يهبنى قوة العزيمة لاستمر في المسير ... وأن يلمهنى الثبات ، والرضا ، والطمأنينة ، لأن اليد المرتعشة لا تكتب ، والأرجل المهتزة لا تمشى والعقل المتقلب لا يتخذ رأيا .

الى الاعلى