Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد الحادي عشر: تفسير من سورة (الروم) إلى سورة (الأحزاب)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد ،، فإني أتوجه بالشكر الخالص لله تعالى على ما أنعم به علي وتفضل في كافة شئون حياتي ... وبخاصة إعانته لى في الانتهاء من المجلد العاشر من مؤلفي . "ركائز القدوة في تفسير الدعوة" إني أشعر بالرضا ، وتغمرنى السعادة ، وأجد نفسي أمام فيض إلهى ، يحيطني نوره ، ويشملنى هداه ، ويحببنى فى مواصلة السير في رحاب كلام الله تعالى ، والاستفادة بنوره العظيم . لقد أعطاني الله مالا أنفقه ، وجهدا أبذله ، وعمرا أقضيه مع تفسير القرآن الكريم ، وأملا في وضع تفسير للدعاة يأخذون منه ركائز الريادة ليقودوا الناس بها إلى الله تعالى ، وغايتى نشر الخير ، ووضع الدعاة في موطن الريادة والقدرة ، واعتمادى على الله كبير ( إن أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )  إن من أماني العذاب أن أتمم هذا التفسير وأن تتحقق الغاية منه ، وأن يكون بداية اهتمام من العلماء والدعاة لتصير الدعوة إلى الإسلام هي الهدف الاسمى ، وينتشر دين الله فى العالمين ، وأملى فى الله العون والتوفيق . إن ما أمدنى الله به من فضل وعون طوال عمري يؤملني في مستقبل حسن يقدره الله لى ... ويجعلني أحلم ، وأتمنى ، وأمل في الله تعالى الخير كله وأسأله العون والسداد فى إتمام هذا التفسير الذي أرجوا له أن ينفع الله به ، ويجعله ذخرا لى عنده ، وأن يوسع به قبرى ، وينور مستقبلى ، ويسعدني بصحبة المصطفى له ، وبرؤيته في الآخرة سبحانه وتعالى

01
التعريف بسورة " الروم "

أولًا|الإحاطة بجو نزول سورة الروم:  سورة "الروم" هي السورة الوحيدة التي سميت باسم أمة أخرى غير أمة العرب ، في وقت لم يخرج المسلمون فيه من مكة ، ولم ينتشر الإسلام في العالم ، ولم يحدث صدام مع الفرس أو الروم . لقد نزلت السورة والدعوة منحصرة في مكة ، والجدل دائر بين المسلمين والمشركين فيها . لقد اتخذ مشركو مكة من الفرس روادا لهم لأنهم يشبهونهم في الشرك وعبادة غير الله تعالى ، فتباهوا بانتصارهم على الروم الذين يؤمنون بالنصرانية وبما جاءهم من كتاب ورسل ، وعدوا ذلك فألا حسنا ، ودليلا على انتصار الشرك على التوحيد ، واشارة إلى انهزام محمد والمسلمين معه أمامهم .
وتحركت العواطف الإيمانية لدى المسلمين فتألموا لهزيمة الروم ، وحزنوا من شماته المشركين بهم . فطمأنهم الله تعالى ، وعرفهم بأن انتصار الفرس لن يدوم ، وسوف ينهزمون في بضع سنين ... وأكد لهم أن النصر بيد الله يؤتيه من يستحقه من عباده ، وبين أن أمر الإسلام ، وانتصاره على الشرك هو أمر وقت فقط وسينتصر الإسلام في مكة ، وستكون مكة عاصمة الإسلام ، ودرته إلى يوم القيامة .

ثانيًا| تنزلات السورة :  سورة "الروم" سورة مكية بالإجماع ، وشذ من ذكر أن الآية رقم (۱۷) وهي قوله تعالى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) مدنية لأنها تشير إلى الصلاة المفروضة فى الصباح والمساء ، لأن الصلاة فرضت في مكة ركعتين فى أى وقت ، والآية لا تتكلم عن فرضية صريحة للصلاة . وعدد آيات السورة عن أهل مكة والمدينة تسع وخمسون آية وعند أهل الشام والبصرة والكوفة ستون آية . وقد نزلت سورة "الروم" بعد سورة "الانشقاق" .

02
انتشار الفساد في الأرض

يقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُشْرِكِينَ ) .

صلة الآيتين بما قبلها: لما بينت الآية السابقة أن المشركين عبدوا غير الله تعالى ، وأشركوا معه آلهة أخرى جاءت هاتان الآيتان لبيان أن الفساد عم الأرض كلها يفعل الناس وسوف يحاسبهم الله على هذا الفساد الذى لم يعتبر أصحابه بالسابقين الأولين

موضوع الآيتين: تبين الآيتان أن الناس قد انتهكوا حرمات الله ، واجترحوا المعاصي ، وفشا بينهم الظلم والطمع ، وأكل القوى مال الضعيف ، فصب عليهم ربهم سوط عذابه ، فكثرت الحروب ، وانتشر التدمير والإهلاك ، وعمت القلاقل وتحول البشر إلى دول متحاربة ، وأوطان يعادى بعضها بعضا ، وتحول الإنسان بالعلم إلى أدوات للدمار ، وآلات للقتل والتشريد

03
التعريف بسورة "لقمان"

سورة "لقمان" سورة مكية عند الجمهور ، وفى أحد قولى ابن عباس له، وفي تفسير الكوشي أن قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) آية مدنية لحديثها عن الصلاة والزكاة . وعن قتادة وابن عباس أن قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ، سَبْعَةُ أَنْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَّا خَلَقَكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) آیتان مدنیتان ويزيد ابن عباس آية ثالثة هى قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ تَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) لأن هذه الآيات نزلت خلال جدل رسول الله ﷺ مع اليهود في المدينة بعد الهجرة . والأولى اعتبار السورة كلها مكية لأن الرسول جادل اليهود وهو في مكة وكان لليهود صلات بأهل مكة الذين رأوا أن اليهود أهل علم وكتاب وكان يرجعون إليهم في أمور كثيرة . وبالنسبة للصلاة والزكاة فإنهما شرعتا بمكة قبل الهجرة وعلى ذلك تكون السورة كلها مكية

04
التعريف بسورة" السجدة "

السورة لها أسماء عدة ... منها :

(1) "السجدة" ، وقد ترجم الترمذى في سننه لها بهذا الاسم ، وسماها سورة السجدة ، ولا يصح اعتماد هذا الاسم إلا بتقدير مضاف له هو "سورة ألم السجدة" أو "سورة ألم تنزيل السجدة" وذلك لأن مسمى السجدة تسمى به كل سورة في القرآن الكريم بها سجدة تلاوة ، وأيضا فإن سورة فصلت" بها سجدة تلاوة ، ومن أسمائها سورة حم السجدة ولذلك لزم تقدير مضاف لمسمى "السجدة" يميز السورة عن غيرها .
(۲) "ألم تنزيل" فعن جابر الله أن النبي ﷺ كان لا ينام حتى يقرأ "ألم تنزيل" و "سورة الملك " .
(۳) "ألم تنزيل السجدة" فعن أبى هريرة الله أن رسول الله ﷺ كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الفجر ألم تنزيل السجدة" ، و "هل أتى على الإنسان
(٤) "تنزيل السجدة" وقد ترجم البخارى للسورة بذلك في صحيحه ، وذلك على تقدير "ألم" قبلها
(٥) "سورة المضاجع" لوقوع لفظ المضاجع في قوله تعالى : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ). 
(٦) "المنجية" ففي تفسير القرطبي أن خالد بن معدان له قال : بلغني أن رجلا كان يقرؤها ، لا يقرأ شيئا غيرها ، وكان كثير الخطايا ، فنشرت جناحها ، وقالت : رب اغفر له فإنه كان يكثر من قراءتي فشفعها الرب فيه ، وقال : اكتبوا له بكل خطيئة حسنة ، وارفعوا له درجة
(۷) "سورة سجدة لقمان" لوقوعها بعد سورة لقمان لئلا تلتبس بسورة "حم السجدة

05
التعريف بسورة "الأحزاب "

سورة "الأحزاب" سورة مدنية بالإجماع نزلت بعد سورة "الأنفال" ، وقد اشتهرت باسم "الأحزاب" وليس لها اسم آخر ، ووجه تسميتها بالأحزاب أنها ذكرت أحزاب المشركين من أهل مكة والبوادى الذين تجمعوا للقضاء على المسلمين في المدينة فى نهاية العام الرابع من الهجرة ، فرد الله كيدهم ، وحفر المسلمون الخندق ، وكفى الله المؤمنين القتال

وعدد آيات السورة ثلاث وسبعون آية باتفاق أصحاب العدد ووجه اتصال سورة "الأحزاب" بسورة السجدة" أن الله تعالى في آخر سورة "ألم السجدة" أمر رسوله بقوله تعالى : ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَأَنتَظِرْ إِنَّهُم مُنتَظِرُونَ ) وجاء في أول سورة الأحزاب" قوله تعالى : ( يَتَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ) .

وسورة الأحزاب" سورة مدنية ، ولذلك نجدها تشير إلى قضايا العقيدة بإشارات سريعة لتكون مقدمة للنظم المشروعة ، وللتوجيهات الدينية المختلفة .

فهي مع قضايا العقيدة تأمر النبي باتقاء الله ، وضرورة التوكل عليه يقول الله تعالى : ( يَتَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) 

06
التعريف بسورة "سبأ"

سميت السورة باسم "سبأ" لورود" قصة سبأ وقصة انهيار سدهم فيها ، وقد اتفق العلماء والمفسرون والقراء على هذه التسمية ، ولم يذكروا سواها وهي سورة مكية بالاتفاق ، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى : ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقِّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6 ) ) نزل بالمدينة لأنه يرى أن المراد بالذين أوتوا العلم هم اليهود في المدينة ... إلا أن العلماء رأوا أن المراد بالذين أوتوا العلم المؤمنون وأمة محمد لقوله تعالى : ( بَلْ هُوَ ءايَتُ بَيِّنَتْ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ولا مانع أن يراد بهم علماء اليهود قبل أن يؤمنوا ، وقبل أن يهاجر إليهم رسول اللّٰه 
وعدد آياتها خمس وخمسون آية عند الشاميين ، وأربع وخمسون آية عند غيرهم .  

07
التعريف بسورة "فاطر"

أجمع الصحابة والتابعون والمفسرون على أن سورة فاطر" سورة مكية وقد استثنى الحسن من السورة آيتين ذكر مدنيتهما وهما قوله تعالى :

- ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَوَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) .

- ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )
ولا مانع من نزل الآيتين في مكة وفي المدينة معًا. 
وتسمى السورة بإسمين ، تسمى باسم "فاطر" وهو الاسم المشهور وتسمى باسم "الملائكة" ووجه التسمية بهذين الاسم ذكر "فاطر" في أول آية منها ، ولم تذكر في غيرها ، وذكر الملائكة فى الآية الأولى أيضا ، ولم تذكر في غيرها كذلك

08
التعريف بسورة " يس"

سورة "يس" سورة مكية نزلت بعد سورة "الجن" ، وقد أجمع الصحابة والتابعون والمفسرون على مكية السورة ، إلا أن ابن عطية روى أن جماعة قالت : إن قوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَاثَرَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم ، وينتقلون إلى جوار مسجد رسول الله ﷺ فقال لهم : دياركم تكتب آثاركم ... وليس الأمر كما قال هؤلاء فقد نزلت الآية بمكة ، ولكن الاحتجاج بها كان على بني سلمة في المدينة.

 

09
جزاء المؤمنين والكافرين في الآخرة

يقول الله تعالى :(إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَابِكِ مُتَكُئونَ (56) هُمْ فِيهَا فَكِهَةٌ وَهُم مَّا يَدْعُونَ (57)سَلَامٌ قَوْلاً مِّن على رَبِّ رَّحِيمٍ(58) وَامْتَرُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ(59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَنبَنِي ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِيلاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(63) أَصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ تَحْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)وَمَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68))

صلة الآيات بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة أن الجميع سيبعث ، وسيحاسب جاءت هذه الآيات لبيان حال المؤمنين الفائزين بالجنة ، وحال المشركين الخاسرين المعاقبين بعذاب أليم. 

موضوع الآيات: تبين الآيات أن المؤمنين يتمتعون بجنات النعيم ، هم وأزواجهم ، ولهم فيها ما يشاءون ، كما توضح مصير المجرمين وعذابهم في نار السعير .

10
التعريف بسورة "الصافات"

وسورة الصافات" تتصل بسورة "يس" بأوجه متعددة منها :

(۱) جاء في سورة "يس" قوله تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ) فأشارت إلى القرون الغابرة بصورة مجملة ، وجاءت سورة الصافات" ، ففصلت في أخبار هذه الأمم من خلال قصص الأنبياء ، ومن خلال تفصيل أحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة. 
(۲) وجود المشاكلة بين آخر سورة "يس" وأول سورة "الصافات" ، ذلك أن الله تعالى بين في سورة "يس" قدرته على المعاد ، واحياء الموتى ، وعلل ذلك بأنه منشئهم ، وأنه إذا تعلقت إرادته بشئ كان . يقول الله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمُ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخَلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلْقُ العَلِيمُ(81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ، مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(83) )

11
التعريف بسورة "ص"

سورة "ص" سورة مكية بالإجماع ، وعدد آياتها ست وثمانون آية عن أهل الحجاز والشام والبصرة ، وخمس وثمانون آية عند أبي أيوب المتوكل وثمان وثمانون آية عند أهل الكوفةنزلت سورة "ص" قبل الهجرة بثلاثة سنوات بعد سورة ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) ولها اسم واحد هو "ص" ، أحد حروف الهجاء التي اشتركت مع سورتي (ن) و (ق) بالبدء بحرف واحد . وقد سماها السخاوى بسورة "داود" كما جاء في الإتقان .

ووجه اتصالها بسورة الصافات" أن الآيات التي ختمت بها سورة "الصافات" متفقة مع الآيات الأولى في سورة "ص" . ففي سورة "الصافات" يقول الله تعالى : ( لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ ) وجاء بدء سورة "ص" ردا على تمنيات المشركين في الآية السابقة فقال تعالى : ( وَالْقُرْءَانِ ذِي الذِّكْرِ ) فهذا هو القرآن ذو الذكر قد جاءهم ... وهو ما تمنوه ، وهم كاذبون في تمنياتهم هذه ، لقد كذبوا به لما جاءهم . يقول الله تعالى : ( وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ). !

12
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين وبعد .. فقد أعانني الله تعالى على إتمام المجلد الحادي عشر من مؤلفى . ركائز القدوة في تفسير الدعوة" بالمنهج الذي وضعته في المجلد الأول مع الاستشهاد بالأحاديث الصحيحة في موطنها لتكون زادا للدعاة يستفيدون بها في نصائحهم ، ومواعظهم وكلماتهم وأساله سبحانه وتعالى أن يعينني فيما بقى من هذا التفسير وأن ييسر الصعب ، ويوضح الغاضب ويوقظ العقول ، ويبين الطريق لينفتح باب رحمة الله ، وفيوضانه على ، وعلى عباده من الناس.

وأتوجه إلى إخواني من العلماء والدعاة برجاء أن لا يحرموني من نصائحهم ، وآرائهم لإثراء هذا اللون من التفسير القرآني الذي أقصد به أن يكون رصيد للعلماء يمكنهم من فهم معاني القرآن الكريم ، ومعرفة كيفية استنباط ركائز للدعوة خلال حركتهم ونشاطهم مع الناس . وادعوه سبحانه أن يسدد الخطى ، ويلهم الصواب ، ويهدى إلى سواء السبيل ، ويكرمني بصحة تعينني ، وصحبة تشد أزرى I وتخلص الله في نصحى . وتقوى عزيمتي ، وأسأله سبحانه أن يكرم أبنائى ، ويرزقهم العفاف والتقى ، والمال والغنى ، والذرية الصالحة الكريمة وهو حسبى ... ونعم الوكيل

الى الاعلى