Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

المجلد الثاني عشر: تفسير من سورة (الزمر) إلى سورة ( الطور)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد ،، فقد أعانني الله تعالى وانتهت من تفسير المجلد الحادي عشر من مؤلفي . ركائز القدوة في تفسير الدعوة" الذي انتهى بتفسير سورة "ص" ... وقد سرت فيه على نفس المنهج الذي اتبعته في المجلدات السابقة ، وهو المنهج الذي وضحته في المجلد الأول . وقد حاولت فيه إيراد عدد من آيات السورة ذات الموضوع الواحد وتقسيمها إلى مقاطع ، أو مشاهد ، أو مواقف ، وتفسيرها متتابعة لأقدم الموضوع مترابطا ، على أن أوضح الركائز بعد الانتهاء من تفسير عدد من الموضوعات المتشابهة ، مثل قصص الأنبياء ، أو الآيات الكونية ... أو غير ذلك ... وقد اخترت إيراد تفصيلات عديدة ، وركائز كثيرة غير الركائز التي ذكرتها في السور السابقة في هذا التفسير ، وان تشابه موضوع الآيات إن السورة المكية تتشابه في الغايات التي تقصدها ، والأهداف التي ترجوها ، ومهما تنوعت أساليبها ، وتعددت قضاياها فهى كلها تتجه إلى إثبات العقيدة الصحيحة ، وتأكيد أركانها، ولذلك اقتربت صور الركائز المستفادة منها. إن موضوعات السور المكية هى موضوعات العقيدة الإسلامية ، والآيات والبراهين والأدلة في هذه السورة تقدم العديد من الأساليب الدعوية ، وتوضح المناهج المفيدة في دعوة سائر الطوائف الاجتماعية ، وتناقش كافة الانحرافات المذهبية والفكرية ، وتوضح التباين الكبير في الطبائع الإنسانية والبشرية.   ومع الوحدة الموضوعية نجد التنوع في المنهج ، والأسلوب ، والتوجيه وهذا يؤكد أن القرآن الكريم هو كتاب الدعوة ، وهو والتأثير بصور عديدة رسالة البلاغ ، الذي تبشر ، وتنذر ، وتدعو إن ركائز الدعوة هي الأسس الرئيسية في منهج الدعوة ، وآمل من تحديدها ، وبيانها أن تكون وسيلة عملية متصلة بالآيات يستفيد الدعاة بها ويستنبطونها ، وهم يعملون في رحاب القرآن الكريم وآمل أن يحذو المخلصون من الدعاة والعلماء حذو هذا التفسير ، ويأخذون من القرآن الكريم الدروس والعبر لتكون ركائز لهم ، وهو يحدثون الناس ... وياحبذا أن يجمعوا ما فتح الله عليهم به في مؤلف مطبوع إثراء للركائز ، وتعاونا في الغاية التي دفعتني إلى هذا التفسير - تفسير الدعوة .. إني أسأل الله تعالى أن ينفعنى به في الآخرة ، وأن ينفع به المسلمين في الدنيا ، وأن يصير منارة هادية للدعاة إلى الله تعالى . والله من وراء القصد ... وهو حسبي ونعم الوكيل .

01
التعريف بسورة "الزمر"

سورة " الزمر " سورة مكية بالإجماع ، وقيل إن بعض آياتها مدنية
والآيات التي قيل إنها مدنية هي:

(۱) قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن E رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) .

(۲) قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةُ إِنَّمَا يُوَقِّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) 
(3) أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَبِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ). 
وتسمى السورة باسم "الزمر" وهو أشهر أسمائها ، وسميت بذلك لوقوع هذا اللفظ فيها دون غيرها من سور القرآن الكريم . كما تسمى بسورة "الغرف" لقوله تعالى فيها : ( هُمْ غُرَفٌ مِن فَوْقِهَا غُرَفٌ ).

02
التعريف بسورة "غافر"

سورة غافر " سورة مكية بالإجماع ، وقد استثنى منها الحسن قوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ) ، واستثنى أبو العالية منها قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تُجَادِلُونَ فِي وَآيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَنهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرُ مَا هُم بِبَالِغِيهِ ) فقد ذكر الحسن أن الآية الأولى نزلت في تشريع الصلاة التي تم فى المدينة بعد الهجرة ، وذكر أبو العالية أن المراد بالمجادلين هم اليهود في المدينة بعد الهجرة .وهذا التعليل لمدنية الآيتين فيه مقال ، لأن الصلاة فرضت في مكة ولم تفصل إلا فى المدينة ، وكان المسلمون في مكة يصلون ركعتين في العشى ، وركعتين في الإبكار . وأيضا فإن المشركين في مكة جادلوا رسول الله قبل الهجرة ، ولهذا كان القول بمدنية الآيتين محل نظر ويمكن التسليم بأن الآيتين نزلتا مرتين مرة في مكة قبل الهجرة ، ومرة ثانية في المدينة بعد الهجرة ، والقول بهذا أولى حتى تكون السورة كأخواتها من آل " حم" مكية مثلهم .

03
التعريف بسورة "فصلت"

سورة فصلت" سورة مكية بالإجماع كسائر سور "آل حم" نزلت بعد سورة "غافر" وتتصل سورة فصلت" بسورة غافر " من عدة أوجه ... منها :

(۱) تشترك السورتان في تهديد قريش ، وتقريعهم فقد توعدهم الله تعالى وهو يأمرهم بالنظر في مصير الأمم السابقة في سورة غافر" فقال تعالى :( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وأثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، وقال في سورة فصلت : ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَعِقَةً مِّثْلَ صَعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) أن السورتين بدأتا وصفا حسنا للقرآن الكريم . ففي سورة "غافر" . يقول الله تعالى : ( حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) وفى سورة فصلت" . يقول الله تعالى : ( حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ وَآيَتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )

04
الرسول داع إلى الله بالحسنى

يقول الله تعالى :(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَوٰةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرُ غَيْرُ مَمْنُونٍ )

صلة الآيات بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة إعراض المشركين عن الهداية جاءت هذه الآيات لبيان أن الرسول بشر عادى أوحى الله ليبلغ دين الله تعالى ، ويعرفهم بأنه رسول الله ، يدعو للحق بلا إكراه ، ولا عنت ، وهو بشير للصالحين ونذير للضالين .

موضوع الآيات: تبين الآيات أن الله أرسل رسوله محمدا للناس ليعرفهم بالله الواحد الأحد ، ويأمرهم بالاستقامة على منهجه ، والإيمان به ، ويبشرهم وينذرهم بجزاء أعمالهم في الآخرة حيث البشرى للمؤمنين ، والإنذار للعصاة والمجرمين

05
التعريف بسورة " الشورى"

سورة "الشورى" سورة مكية عند جمهور المفسرين ، غير أن مقاتل لله ذكر أن قوله تعالى : ( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورُ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَرِ اللَّهُ تَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آیتان مدنیتان ، وزاد عليهما ابن عباس الله آيتان أخريان هما قوله تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)  وزاد قتادة على هذه الأربع آية خامسة هي قوله تعالى : ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ، لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )، وحجتهم في مدنية هذه الآيات تناولها موضوعات نزلت في المدينة . وقد وجه بعض المفسرين معانى هذه الآيات لبيان جواز نزولها مرة في مكة ، ومرة أخرى في المدينة المنورة، وقد نزلت سورة "الشورى" عقب سورة "الكهف" .

06
التعريف بسورة " الزخرف "

سورة الزخرف سورة مكية بالإجماع ، وما قيل من أن قوله تعالى :( وَسْئَلَ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ وَالِهَةٌ يُعْبَدُونَ ) نزل ببيت المقدس وليس بمكة لا يطعن في مكيتها ، لأن المكي هو ما نزل قبل الهجرة ولو في غير مكة . وتسمى السورة بسورة الزخرف لورود قوله تعالى : ( وَزُخْرُفًا ) فيها ولم يرد اللفظ في غيرها من السور . كما تسمى بسورة حم الزخرف . وقد نزلت سورة الزخرف" بعد سورة فصلت" . وعدد آياتها عند أهل الشام ثمان وثمانون آية ، وعددها عند غيرهم تسع وثمانون آية.  ووجه اتصال سورة "الزخرف" بسورة "الشورى" انتسابهما معا ل آل حم ، وأنهما معا يمجدان القرآن الكريم . ففى سورة "الشورى" ... يقول الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنذِرَ أُمِّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )

07
التعريف بسورة "الدخان"

سورة الدخان سورة مكية بإجماع المفسرين ، وتسمى بسورة الدخان" وهو اسمها المشهور ، وتسمى أيضا بسورة حم الدخان وسبب هذه التسمية وردود لفظ الدخان فيها وقد نزلت سورة "الدخان" بعد سورة الزخرف" وعدد آياتها ست وخمسون آية عند أهل المدينة ، ومكة ، والشام ، وعند أهل البصرة سبع وخمسون آية ، وتسع وخمسون آية عند أهل الكوفة . وترتبط سورة الدخان" بسورة الزخرف من عدة أوجه هي :
(1) إنه تعالى ختم ما قبلها بالوعيد والتهديد ، وافتتح هذه بالإنذار الشديد .

(۲) إنه تعالى حكى في سورة الزخرف قوله وهو ينادى ربه : ﴿ يَتَرَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ )، وحكى في سورة الدخان قول موسى عليه السلام:( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) ، وهو قريب مما جاء في سورة "الزخرف" .

08
التعريف بسورة "الجاثية"

أجمع المفسرون على أن سورة الجاثية" مكية . وتسمى السورة بـ "حم الجاثية" لوقوع لفظ "الجاثية" فيها ، وتسمى سورة "الجاثية" بعد حذف "حم" . وتسمى السورة "شريعة" لوقوع لفظ شريعة في قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلْتَكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ ) . وتسمى سورة " الدهر" لقوله تعالى فيها : ( وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ). وقد نزلت السورة بعد سورة "الدخان" . "والسورة وثيقة الصلة بسورة "الدخان" فهما معا من "آل حم وقد بدأت سورة "الدخان" ، وختمت بذكر القرآن الكريم ، وبدئت سورة "الجاثية" بذكر القرآن الكريم وبيان عظمته ، ففى سورة الدخان" يقول الله تعالى : ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*  إِنَّا أَنزَلْتَهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) ، ويقول : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ) وفي سورة "الجاثية" يقول الله تعالى : ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)

09
التعريف بسورة "الأحقاف"

سورة "الأحقاف سورة مكية ، وما ورد من أن قوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَتَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )  ، وقوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، وقوله تعالى :( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَغُ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ ) آيات نزلت بالمدينة لا ينافي نزولها قبل ذلك في مكة ، لأن المعاني التي دلت عليها نزلت في مكة ، واستفاد بها المسلمون قبل الهجرة ، فالحديث عن بنى إسرائيل والاستشهاد بآرائهم وعلمهم كان عملا مشهودا عند المكيين أمر الله بها رسول الله له والمؤمنين معه ، وهم فيه، وقد روى القرطبي الإجماع على على أن السورة مكية.

10
التعريف بسورة "محمد"

سورة "محمد" سورة مدنية ، وما قيل من أن قوله تعالى : ( وَكَأَيِّن من قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْتَهُمْ فَلَا نَاصِرَ هُمْ ) آية مكية لنزولها أثناء الهجرة ليس بمسلم لأنها نزلت بعد الهجرة من مكة إلى المدينة ، ويمكن تكرر نزولها . وتسمى السورة بـ سورة محمد وهو أشهر الأسماء بين المفسرين لذكر اسم محمد ﷺ في الآية الثانية من السورة .
كما تسمى بسورة الذين كفروا لتصدرها بذلك.  وتسمى بسورة القتال" لورود مشروعية القتال فيها، وورود لفظ "القتال" فيها.

وأوجه صلة سورة "محمد" بسورة الأحقاف" عديدة منها :
(1) أن سورة الأحقاف" ختمت ببيان عذاب الكافرين فقال تعالى : ( وَلَا تَسْتَعْجِل هُمْ كَأَنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ ) ، وبدأت سورة "محمد" بقوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) .

 (۲) سورة "الأحقاف" بينت ما للمؤمنين من جزاء في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يحْزَنُونَ * أُولَئكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وجاءت سورة "محمد" لإثبات مثل هذا الجزاء فقال تعالى : ( وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)

(٣) تبين سورة "الأحقاف" هلاك الأمم السابقة الكافرة ، وذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرِّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )  وجاءت سورة "محمد" بمثل ذلك فقال تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ على وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَلُهَا ).

11
عظمة الجنة ورفعتها

يقول اللّٰه تعالى:(مثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَرٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَرٌ مِّن لَّبَن لَّمْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ، وَأَبْرٌ مِّنْ خَمْرٍ لِّذَّةِ لِلشَّرِينَ وَأَنْهَرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءٌ حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)

صلة الآية بما قبلها: لما بينت الآيات السابقة نعيم الجنة ، ووضحت أنهارها المتنوعة ، ووجود هذه الأنهار تحتهم وبجوارهم جاءت هذه الآية لبيان تنوع الأنهار ، وأنها مختلفة عن أنهار الدنيا. 

موضوع الآية: تبين الآية ما في الجنة من نعيم وخيرات ، فقد تعددت أنهارها ، وكثر ثمرها ، أما المشركون فهم يشربون الماء الحار المغلى الذي يقطع أمعاءهم .

12
التعريف بسورة "الفتح"

سورة "الفتح" سورة مدنية ، وان لم يكن نزولها بالمدينة ، لأنها نزلت بـ كراع الغميم" وهو موضع بين مكة والمدينة بعد الهجرة ، حين رجوع المسلمين من "الحديبية" . "وللسورة اسم واحد هو "الفتح وعدد آياتها تسع وعشرون آية نزلت بعد سورة "الصف" وقد نزلت السورة عقب انصراف المسلمين من الحديبية راجعين إلى المدينة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة بعدما منع المشركون المسلمين عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وحالوا بينهم وبين أداء عمرتهم ، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ، على أن يرجع المسلمون عامهم هذا ثم يأتون من قابل  فأجابهم ﷺ إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب 

الخطاب الله ، فلما نحر رسول الله ﷺ هديه حيث أحصر ، وقفل راجعا إلى المدينة أنزل الله تعالى هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم ، وجعل هذا الصلحفتحا لما فيه من المصلحة ، ولما آل إليه أمره . يقول ابن مسعود الله : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية . وروى البخاري أن رسول الله ﷺ كان يسير في بعض أسفاره وعمر ابن الخطاب الله كان يسير معه ليلا ، فسأله عمر عن شئ فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر ، كررت على رسول الله ﷺ ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك .

13
التعريف بسورة " الحجرات"

تنقسم سور القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام هي :
(۱) السور الطوال
(۲) سور المفصل بفتح الصاد وتشديدها 
(٣)السور القصار
والجمهور على أن السور الطوال تبدأ بسورة البقرة" وتنتهى بسورة "الفتح" ، وتبدأ سور المفصل بسورة الحجرات" ، وتنتهى بسورة "الليل" ، وتبدأ السور القصيرة بسورة الضحى" وتنتهى بسورة "الناس" ... ولم يشذ عن ذلك إلا عدد قليل من العلماء.

وسورة "الحجرات" سورة مدنية بالاتفاق ، وقد نزل قوله تعالى : يَتَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْتَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَلَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) يوم فتح مكة ، ولم يعارض هذا النزول مدنيتها لأنها نزلت بعد الهجرة. وللسورة اسم واحد هو "الحجرات" لورود هذا الاسم فيها .
وقد نزلت سورة الحجرات" بعد سورة "المجادلة" ووجه اتصال سورة الحجرات" بسورة "الفتح" أن سورة "الفتح" تكلمت عن قتال الكفار ، وتكلمت سورة الحجرات" عن قتال البغاة . وأيضا فإن سورة "الفتح" ختمت بالحديث عن المؤمنين وأوصافهم وابتدأت سورة الحجرات بالحديث عنهم كذلك.

14
التعريف بسورة "ق"

سورة "ق" سورة مكية بالإجماع ، وما قيل من أن قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُغُوبٍ ) نزل في المدينة حين جادل رسول الله ﷺ اليهود في المدينة غير مسلم ، لجواز أن يعرف الله رسوله وهو في مكة طرق مجادلة الناس قبل أن يلتقى بهم في المدينة ، وأيضا فإن أحاديث اليهود كانت عند القرشيين في مكة ، وليس يمنع أن يتناول القرآن الكريم أحاديث اليهود في مكة . ما واسم السورة المشهور هو (ق) حرف واحد تعرف به السورة مثل سور (ص ، (ن) ... وللسورة اسم آخر هو "الباسقات" وهو وصف في السورة الموصوف محذوف تقديره ( وَالنَّخْلَ بَاسِقَات)  وقد نزلت السورة بعد سورة "المرسلات" وعدد آياتها عند جميع المفسرين خمس وأربعون آية . ويدور موضوع السورة حول رد مزاعم أهل مكة ، وتفنيد ضلالهم ، وتوضيح أدلة صدق رسول الله ، وصدق ما دعا إليه من بعث ، وحساب وعقاب ، وتسلية النبي والثناء على المؤمنين ، وتبشيرهم بجنات النعيم . ‏ وهذه السورة تتصل بسورة الحجرات بأوجه متعددة فقد بينت سورة الحجرات" حقيقة الإيمان ، وبينت موقف الأعراب منه ، وجاءت سورة "ق" لبيان حقيقة الإيمان ، والرد على المكذبين به 

15
التعريف بسورة " الذاريات"

سورة الذاريات" سورة مكية بالاتفاق ، وعدد آياتها عند جميع المفسرين ستون آية . ولها اسم واحد هو "الذاريات" وهو الاسم المذكور في أول كلماتها ، والبعض يسميها بـ "والذاريات" مصدرة بواو القسم كما هي في السورة ووجه صلة سورة الذاريات" بسورة "ق" : (۱) إنه قد ذكر في سورة "ق" البعث ، والجزاء ، والجنة ، والنار ، وافتتح سورة "الذاريات بأن ما وعد الله من ذلك صدق ، وأن الجزاء واقع . (۲) إنه ذكر في سورة "ق" إهلاك كثير من القرون على وجه الإجمال ، وفي سورة الذاريات" ذكر ذلك على وجه التفصيل . وقد احتوت سورة "الذاريات على وقوع البعث والجزاء ، وابطال مزاعم المكذبين به وبرسالة محمد ورميهم بأنهم يقولون بغير تثبت ، ويعدهم بعذاب يفتنهم.  كما احتوت على وعد المؤمنين بنعيم الخلد وذكر السبب الذي استحقوا به تلك الدرجة من الإيمان والإحسان . واستدلت السورة على وحدانية الله وعلى إمكان البعث ببعض المخلوقات التي يشاهدونها ، ويحسون بها لأنها تدل على سعة قدرة الله تعالى وحكمته على ما هو أعظم من إعادة خلق الإنسان بعد فنائه.  وتنذر السورة أهل مكة وغيرهم بما حاق بالأمم التي كذبت رسل الله ، وتبين الشبه التام بينهم وبين أولئك السابقين ، وتلقن هؤلاء المكذبين الرجوع إلى الله وتصديق النبي ﷺ ونبذ الشرك . ومعذرة الرسول من تبعة إعراضهم والتسجيل عليهم بكفران نعمة الخلق والرزق ، ووعيدهم على ذلك بمثل ما حل بأمثالهم.

16
التعريف بسورة "الطور"

سورة "الطور" سورة مكية بالإجماع ، عرفت باسم واحد هو "الطور" ، ويسميها البعض بنفس بعد إدخال حرف القسم عليها "والطور" . وعدد آياتها تسع وأربعون آية نزلت بعد سورة "ألم السجدة" ومناسبة سورة الطور" لسورة الذاريات" كثيرة منها :

(۱) في ابتداء كل منهما وصف حال المتقين.

(۲) في نهاية كل منهما وعيد للكافرين.

(۳) كلا منهما بدأت بقسم يقسم الله فيه بآية من آياته تعالى الكونية التي تتعلق بالمعاش أو المعاد ، ففى سورة الذاريات" أقسم الله بالرياح الذاريات التي تنفع الإنسان في معاشه ، وفى سورة الطور" أقسم بالطور الذي أنزل الله فيه التوراة النافعة للناس في معادهم .

(٤) في كل منهما أمر النبي بالتذكير والإعراض عما يقول الجاحدون من قول مختلف .

(٥) تضمنت كلتاهما الحجاج على التوحيد والبعث، إلى نحو ذلك من المعاني المتشابهة في السورتين . وموضوع سورة "الطور" هو موضوع السور المكية الذي يقدم أركان العقيدة ، ويقدم الآيات الدالة على صدقها ، وتهتم بإيراد مشاهد اليوم الآخر للمؤمنين والمشركين .

17
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين وبعد . فإنه ليسعدني أن من الله علي ، وأعانني على إتمام المجلد الثاني عشر من مؤلفى ."ركائز القدوة في تفسير الدعوة" الذي أرجو به التقرب إلى ربى ، وطاعته في أمره بالدعوة إلى دينه .. إن أعظم القربات إلى الله القيام بالدعوة ، وتبليغ الإسلام إلى الناس ، وقد قدر الله لي أن أشرف بالانتساب إلى الدعاة ، إذ جعلنى واحدا منهم ، وشرفني بالدراسة في الأزهر الشريف ، ووضعنى في سدة علماء الدعوة الذين يتحملون مسئولية تخريج الدعاة في جامعة الأزهر

إن قافلة العلماء هم رواد العاملين ، وهم القدوة أمام الناس ، وعليهم واجب الحركة بالإسلام بين الناس  ... لقد أدى التطور المعاصر إلى ضرورة الاهتمام العلمي ، وصار السبق بالعلم هو الذى يحقق السبق في كافة جوانب الحياة. ولم يكن عجبا الاهتمام بعلوم الدعوة في العصر الحاضر ، لأن خصومها يعملون بجهد كبير ضدها ، ويستغلون ماديات العصر في إفساد العقول ، ونشر الفواحش ، واشاعة المنكر ، واتهام المخلصين بمعايب ليست فيهم ، مستغلين شبها باطلة ، وحالات منكرة هم سببها وصانعوها. إنهم يدعون الحرية ، وهم يقصدون الفوضى ... ويطلبون التنوير وهم يريدون العودة إلى ظلام الكفر والمعاصى .. إن الأمل في قدرة اللّٰه أن يهزم أعداءه، وينصر دينه، ويؤيد العاملين المخلصين.

الى الاعلى