Scalable business for startups

401 Broadway, 24th Floor New York, NY 10013.

© Copyright 2024 Crafto

مؤلفات
أ.د. أحمد أحمد غلوش

نظام الإسلام في الدعوة إلى الله تعالى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،،،،، فقد قضى الله تعالى بإيجاد مخلوق يعمر الأرض بمنهجه سبحانه وتعالى وسط عوالم عديدة سخرها الله تعالى لخدمة هذا المخلوق، وبدأ الخلق بإنسان واحد هو آدم الذي صنعته الملائكة بأمر الله من الطين، ونفخ الله تعالى فيه من روحه، وأخرج منه زوجته حواء، وبهما تكاثرت الذرية، وامتلأت الأرض بالناس ومع وجود آدم الله وجد إبليس اللعين، وقد أنظره الله تعالى وذريته لغواية الآدميين، وإضلالهم ليظهر الخبيث من الطيب، ومع عالمي الأنس والجن كان الملائكة، وهم ( لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )، وأخذت الدنيا مسيرتها بقدر الله تعالى، واستمر الوحي ينزل للناس في سائر الأمم، ووجد في كل أمة رسول، واستمر الشيطان في وساوسه وإغوائه.

وختم الله تعالى الرسل والرسالات بالإسلام، وبمحمد ، وتحددت معالم الحق، وظهرت علامات الباطل في حركة الحياة، وصار الإسلام هو المنهج الذي اختاره الله تعالى للناس، فأمرهم بالإيمان به ، والالتزام بشريعته. والرجوع إلى مصادره الثابتة، والتمسك بالتطبيق العملي الذي كان عليه رسول الله ، وسلف الأمة، فهم القادة والقدوة، وهم رواد الاتصال بالله، وكان الأمل أن يدخل الجميع في دين الإسلام ، فقد صدق الإسلام بجميع الرسل، وأكد أصول الأديان كلها، وحافظ على حقوق الإنسان، ونظم كافة جوانب الحياة، وقدر الله تعالى له الثبات والدوام بثبوت مصادره ، وصلاحيته لكل زمان ومكان، لكن الواقع غاير هذا الأمل، فمن اللحظة الأولى لظهور الإسلام برز أعداؤه ، وأخذوا يقاومونه بكل ما أوتوا من تشكيك قولي، وصد عملي، واضطهاد عام لكل من يدخل في الإسلام ، ويهتدي بهدي الله تعالى .

01
الباب الأول: المسار الدعوي في الحياة الإنسانية

أوجد الله تعالى الكائنات كما هو مقدر منذ الأزل، وهدى كل مخلوق لما خلق له، ونظم الوجود كله بحكمة، ودقة، وجمال، ووضع الله تعالى الإنسان سيدا في هذا الكون، فرزقه العقل، والفهم، والإدراك، وعلمه الفكر، والسعي، وعرفه مناهج العمل، ووسائل التحكم في كل ما يحتاج إليه في الأرض أو في السماء، يقول الله تعالى:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْتَهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )، وأكرم الله تعالى الناس، ولم يتركهم لعقلهم المحدود القاصر، فأرسل لكل أمة رسولا ، يقول الله تعالى : ( وإن مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ).

وكان الرسول يأتي لأمته وقد فسدت عقيدتها ، وضلت أعمالها، فيدعوها إلى العقيدة الواحدة، ويصلح أمرها بشريعة تناسب أحوالها، وحياتها، وختم الله تعالى الرسالات برسالة محمد الذي جعلها عامة لكل الناس، ودائمة إلى يوم القيامة، ومن الملاحظ أن الناس في كل عصر كانوا في حاجة إلى دين الله تعالى ليعودوا إلى العقيدة الصحيحة، ويصلحوا ما هم فيه من فساد، ويلاحظ كذلك أن الدين مطلقا محتاج إلى من يعلمه، ويؤمن به، ويطبقه، ويدعو الآخرين إليه، لأنه مفهوم عقلي منزل، ومن المعلوم أن الفكرة بصورة عامة تحتاج إلى من يتقنها، ويؤمن بها، ويحملها، ويوصلها للناس، ويدعوهم إلى العلم بها، والعمل بما فيها، وهذا هو المراد بالدعوة إلى الله تعالى .

02
الفصل الأول: الوجود كله خلق الله تعالى

الدعوة إلى الله تعالى نظام كامل، يمثل نظرية شاملة تحدد جوانب عملية اتصالية، لتبليغ رسالات الله تعالى للناس كما نزل الوحي بها على رسل الله جميعا، فلقد كانوا عليهم السلام يسلكون منهجا دعويا واحدا ذا هيكل صوري واحد هو منهج الهدى ، وعنه يقول الله : ( أُولَئكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَهُدَاهُمُ اقْتَدِهُ )، فقد هدى الله تعالى رسله بالوحي، وأرشدهم إلى الصراط المستقيم وعرفهم بمنهج الإصلاح مستدلا بالأوضاع الحياتية التي كانوا عليها.

وأخذ الرسل جميعا يدعون إلى عقيدة تجمع الناس على عبادة الله وحده، وشريعة تصلح حياة الناس، وتأخذهم إلى الله تعالى بالحكمة، ومكارم الأخلاق، واتحد الرسل جميعا في الدعوة لعقيدة واحدة وهي التي وصاهم الله بها يقول الله قال : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )، وتبعا لحال كل أمة تنوعت البراهين، وتعددت الشرائع، يقول الله تعالى : ( لِكُلِّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)

03
الفصل الثاني: ضرورة الدعوة إلى الإسلام

أتم الله تعالى الإسلام وأكمله، ورضيه دينا للناس جميعا إلى يوم القيامة، 
وأمر بمواصلة الدعوة إليه فقال تعالى:
ـ (ولْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).

ـ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

وبذلك أصبح واجبا شرعيا قيام أمة الإجابة بدعوة غيرها إلى الإسلام لينتظم الناس جميعا في طاعة الله تعالى، وينتفعوا بما أنزل لهم من الدين، ويسعدوا بالعبودية لله رب العالمين، ونشط الشيطان في الصد عن دين الله تعالى، وصار آله أنصار من الناس يذهبون مذهبه، ويحاربون الإسلام معه، ويمنعون الدعوة إليه، ويحرمون
الناس من خير يعود عليهم في الدنيا والآخرة.

04
الفصل الثالث: المنهجية الدينية في الدعوة إلى الله تعالى

شأن الدعوة إلى الإسلام شأن نشر أي فكر، فهو يحتاج إلى من يعلمه، ويؤمن به ، ويحمله للآخرين بوضوحه وبهائه، ورسالة الرسول ﷺ هي تبليغ الدعوة، يقول : ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) ، ويقول :( يأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن زَيْكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَغْتَ رِسَالَتَهُ ) .
وقد قام بالدعوة على الوجه الأكمل، وترك للمسلمين من بعده تراثا خالدا يعرف بالإسلام، ويعرف بالدعوة إليه، وقال لهم :
( بلغوا عني ولو آية )(ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب )( تسمعون ويسمع منكم  ويسمع ممن يسمع منكم )

وعرف أصحابه بالإسلام، وأمرهم بالدعوة إليه على النحو الذي قام به ، وأمن المسلمون بواجبهم تجاه الإسلام، فأتقنوا فهمه، والعمل به، وحرصوا كذلك على نقله إلى غيرهم، حتى وصل الإسلام للعالم كله، وانتشر في سائر التجمعات، وقام المسلمون بما وجب عليهم .

05
الباب الثاني: نظرية الدعوة إلى الإسلام

أنزل الله تعالى الإسلام وحيا لرسول الله ، وكلفه بتبليغه للناس، فقام رسول الله بما كلف به، وأمر أصحابه بأن يقوموا مقامه عند غيابه، فأدوا رضوان الله عليهم - ما أمرهم به على خير وجه، وبخاصة أن الإسلام ثابت بحقيقته الذاتية، ومنهج الدعوة إليه في مصادره المحفوظة وقد رأها الصحابة - رضوان الله عليهم - عمليا من رسول الله ﷺ ، وتدربوا عليها في حياته ﷺ.

لم يترك رسول الله الدنيا وينتقل إلى ربه إلا بعد أن تم الإسلام وكمل، يقول الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دينا ) ، وبعد أن أمر الله تعالى المسلمين باتخاذ الرسول ﷺ أسوة لهم، وقال لهم : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْحُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )، وسارت الأمة على هدي رسول الله في الإيمان والدعوة، وتتابعت الأجيال على أداء هذا الواجب، ووصل الإسلام إلى كل أرجاء الدنيا، ودخل الناس في دين الله أفواجا.

إن الدعوة إلى الله تعالى عملية اتصالية كاملة لها مضمونها الخاص وأركانها الواضحة، وأهدافها المعلومة، وهي لا تختلف عن عمليات الاتصال البشرية إلا في القيود والضوابط الخاصة بها، لأنها تشترط سلامة المضمون ونقاء السريرة، وطهارة الوسيلة، ونبل الغاية، ورقي الإنسان، ومراعاة الحقوق في العملية كلها .

06
الفصل الأول: الهيكل العام لنظرية الدعوة

يتحرك الإسلام في الناس على سنة البشر، وعاداتهم في نقل الأخبار، وتكوين المجتمعات، فمن القديم كان الإنسان ولعا بمعرفة أخبار غيره، والبحث عن أي جديد بعيد عنه مستفيدا بسفره، وعمله ونشاطه، وحركته، وظهر بين الناس أولو الرأي، وهم الملأ في كل جماعة .
وأكرم الله الإنسان منذ مجيئه، فأرسل الله تعالى رسولا لكل قوم، يدعوهم بلسانهم، ويعرفهم بالله الواحد الأحد الذي خلقهم ، ورزقهم، وأحياهم، وسوف يميتهم، ويبين لهم الواجب عليهم، وهو عبادة الله وحده باتباع شرعه، وطاعة رسوله ، والعمل للدنيا والآخرة، وقدم الرسل جميعا لأقوامهم دين الله الذي ارتضاه الله لهم، وطبقوه في إطار خطة عملية في التبليغ والدعوة تقوم على عناصر رئيسية ثابتة في دعوات الرسل جميعا، وهذه الخطة تعتمد الملامح التالية :
أولاً : اختيار رسول متصف بالصدق والأمانة، مؤيد بالمعجزة، معروف بين قومه وأهله بالخلق الكريم .

ثانياً : ثبوت نزول الوحي من الله تعالى على هذا الرسول بدين الله الذي ارتضاه للناس بواسطة ظهور المعجزات التي يؤكد صدقه

ثالثاً : قيام هذا الرسول باختيار الوسيلة التي يوصل بها الوحي للناس وقد تكون الوسيلة هي القول، أو العمل، أو الآله، أو غير ذلك من الوسائل .

رابعاً : اختيار الأسلوب الذي يستعمله الرسول مع الناس، وقد يكون هو الوحي نفسه، ومعه وحوله يدور الحوار والنقاش، والجدل.

07
الفصل الثاني: موضوع الدعوة "الإسلام"

الإسلام هو موضوع نظرية الدعوة ، وهو دين الله الذي أوحى به لمحمد ، وأتمه وأكمله ، ورضيه دينا للناس جميعا إلى يوم القيامة ، وحفظه الله تعالى في الناس يحفظ مصدريه القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة.
وبلغ رسول الله ﷺ الإسلام، وأمر المسلمين معه، ومن بعده بتبليغ الإسلام، والدعوة إليه وفق دعوة رسول الله ﷺ ، وكما هي في القرآن الكريم والسنة النبوية

إن الإسلام موضوع الدعوة محدد بمصادره، معلوم بأركانه، ثابت في شروح ومؤلفات علماء الأمة المخلصين، وهو مع العلماء ووسط الناس وفي بطون الكتب كما تركه رسول الله ﷺ ، والهداية التامة في تتبعه، والتمسك به، يقول رسول الله ﷺ : ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ).

وقد أشبع المسلمون الإسلام شرحا، وتفصيلا، وبيانا في إطار علوم العقيدة والشريعة، والأخلاق، ولم يعد باقيا للدعاة إلا تفهم العلوم الإسلامية للوقوف على حقيقة الإسلام الذي يؤمنون به ، ويدعون الناس إليه ، ومن رحمة الله تعالى بالناس أن أنزل لهم المنهج الذي يدعون به من خلال القصص القرآني ، وأمثاله من مثل وجدل .

08
الفصل الثالث: الركن الثاني "الداعية" مبلغ الإسلام

الإسلام في جملته مجموعة من المعارف العقلية النازلة من عند الله تعالى ليعيش بها المؤمنون بها بعد أن يجعلوها يقينا ثابتا في عقولهم ، ومنهجا عمليا في جوارحهم، وإشراقا روحيا في ضمائرهم وعواطفهم، ولذا كانت حاجة الإسلام إلى حامل يعلمه ويفهمه، ويؤمن به، ويوصله للناس على النحو الذي نزل به من عند الله تعالى، لقد تميز رسل الله جميعا بالفطانة، والصدق والأمانة، والشجاعة كما صنعهم الله تعالى ليفهموا الدين بدقة، ويبلغوه للناس كما نزل من عند الله تعالى بأمانة، ويصدقوا الناس في كل ما يقولون لهم بلا خوف من مخلوق أو رقابة من بشر .

وأنبياء الله تعالى هم قدوة الدعاة إلى الإسلام، ولذا كان من الضروري تميز الدعاة بما تميز به الرسل، يقول الله تعالى :( أَوْلَيكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَهُدَاهُمُ اقْتَدِة )، والدعوة عمل شاق، لأنها تخاطب العقول بالحكمة، وتنقل الإنسان من محيط الضلال والهوى إلى سعة الحق والهدى، وتصنعه صناعة جديدة، وفي هذا الفصل سأبحث - بإذن الله تعالى - الركن الثاني في نظرية الدعوة إلى الله تعالى وهو " الداعية"

09
الفصل الرابع: الركن الثالث "الوسائل"

وسائل الدعوة هي الأدوات الحاملة لموضوع الدعوة، يستخدمها الدعاة لتبليغ دين الله تعالى، بواسطة وضع رسائلهم فيها، ونقلها من خلالها، والوسائل ركن رئيسي في نظرية الدعوة لابد منها، لأنها هي التي تحمل الفكرة المقصودة إلى الناس، ليستقيموا على المعنى المستفاد منها، وقد تكون الوسيلة آلة صماء صممت لتحمل الصوت من مصدره لتوصيله إلى أسماع الناس، وكل وظيفة هذه الآلة هي النقل ، فالصحيفة ناقلة لما يكتب فيها، والمذياع ناقل الرسالة المذيع ... وقد تكون الوسيلة صورة فنية توضع في قالب بياني، مثل الصورة الهيكلية للقصة فهي تحمل مضمونا معينا في قالب خاص لتحقيق غاية معينة ، ولذلك فهي وسيلة في صورتها العامة، وقد عدها البعض أسلوبا من ناحية مضمونها الفكري، ولكنا نعدها وسيلة في صورتها الكلية، وهيكلها العام، ومثل القصة الصور الفنية الأخرى التي تحمل الدعوة في ثناياها مثل الخطبة ، والندوة، والمحاضرة، وبهذا تكون القصة وأمثالها وسيلة في مفهومها العام، وأسلوبا من خلال الفكرة التي تتضمنها، والأمر الفصل في هذا يتحدد بتعيين زاوية النظر، ... لأن النظر إن كان إلى الصورة الفنية العامة الشاملة للمعنى فهو وسيلة ، ... واذا كان النظر إلى الكلمات الدالة على الموضوع فهو أسلوب. 
إن الأسلوب والوسيلة قد يوجدان معا في عمل واحد، وهذا سبب الالتباس، وصار من الضروري التمييز بين الوسائل والأساليب في عمل القادة الموجهين.

10
الفصل الخامس: الأسلوب في نظرية الدعوة

الأسلوب هو الكلام البياني المشتمل على الفكرة أثناء نقلها من طرف إلى طرف بإحدى الوسائل التي يتم بها التواصل الاجتماعي، والأسلوب يختلف عن الوسيلة فمع أنهما يشتركان معا في عملية التواصل إلا أن الوسيلة هي الأداة التي تستخدم لنقل الكلمات النصية والمضامين المعنوية، فالخطبة مثلا وسيلة ذات هيكل ثابت في أطر محددة ثابتة كالمقدمة، والموضوع، والخاتمة، والكلمات الدالة على الموضوع هي الأسلوب .
ومثل الخطبة المحاضرة ، والصحيفة، والمذياع ، فالوسيلة آلة ناقلة ، والأسلوب هو صيغ المعاني المقصودة في عملية الاتصال سواء كان قولا منطوقا، أو كلاما مطبوعا ، أو صورة بارزة، أو حالة معبرة
ومثال ذلك - أيضا - القصة ، فهي وسيلة حين ننظر إليها من ناحية هيكلها الفني العام، وعناصرها المكونة لها، وفنية التأثير بكل عنصر فيها، وتقديمها للدعاة وسيلة لصياغة موضوعاتهم خلالها في صيغ بيانية .

إن الأسلوب هو اللفظ ذو المعنى وما يماثله، والوسيلة هي الشكل الفني المستخدم لحمل الأساليب والألفاظ.
وهذا الفرق الدقيق بين الوسيلة والأسلوب يحتاج المعرفة واضحة حتى لا يلتبس الأمر على من يقرأ في علومه الدعوة .

11
الفصل السادس: الركن الخامس "المدعوون"

العالم كله منذ بدء الخلق وإلى يوم القيامة عباد الله تعالى، خلقهم، ورزقهم، ومكنهم من الأرض ، وأرسل لهم رسله - عليهم السلام، يقول الله تعالى : ( وإن مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) ، وختم الله تعالى الأديان بالإسلام، وختم الرسل بمحمد الذي أرسله الله تعالى للناس كافة .

لقد جاءت الرسالات السابقة خاصة بأقوام معينين ينسب دينهم إليهم أو إلى رسولهم، مثل دين نوح ، أو دين قوم نوح، أو دين الإسرائيليين أو دين موسى وعيسى فلما جاء محمد بالإسلام ختم الرسلات السابقة، وهيمن على ما نزل قبله، يقول الله تعالى عن ذلك : (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
(تبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا )
(ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن يُجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّ وَكَانَ اللَّهُ بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري له ، قال : ( قال رسول الله ﷺ :
أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، (ومنها) ... كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، ....)، وبهذه الحقيقة الدينية صار البشر جميعا على اختلاف المكان والزمان أمة واحدة، وعلى دين الله الخاتم الذي جمع أصول كافة الأديان السابقة، وسار النبي في الحركة بالإسلام سيرا طبيعيا يتلاءم مع طبيعة الناس في نشر الأفكار، وإبلاغ الدين، ونشر النظم .

12
الختام: "ولى كلمة"

الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذه الدراسة عن (نظام الإسلام في الدعوة إلى الله تعالى) فقد بينت فيه حاجة الناس إلى الإسلام ، وحاجة الإسلام إلى الدعوة إليه ، وفق نظرية كاملة، بينت أركانها ، ووضحت الصورة الواجبة لكل ركن ليهتم المخلصون بهذه النظرية ، ويبلغوا بها الإسلام إلى العالم كله .
ومن الواجب النهوض بأركان النظرية، والاستفادة التطبيقية بها، والأخذ بكل جديد يساعد على الوصول بالإسلام إلى كل إنسان في العالم الحديث والأصوات اليوم تنادي بضرورة " تجديد الخطاب الديني"، وهي دعوة حسنة إلا أنها تحتاج إلى قيود تحفظها من مكائد الخصوم ، وحيل الخبثاء .
إن التجديد يعني التغيير بتكميل الناقص، وتبديل القاصر ليتمكن من أداء ما وجد له، ولذلك يحتاج التجديد لزيادة، أو نقص، أو تعديل .
وإذا جئنا لأركان نظرية الدعوة للوقوف على قابليتها للتجديد فإننا نرى أن الموضوع في النظرية له خاصية ثابتة، وأن المحافظة عليه كما نزل أمر ضروري ثابت ، فقد حفظه الله تعالى من التحريف والتغيير، وأثبته في القرآن الكريم والسنة المشرفة، وأي تجديد لا يصح معه ..
فأركان العقيدة هي هي كما نزلت من عند الله تعالى على جميع الرسل، وثوابت الشريعة والأخلاق لا تتغير ، وبذلك لا تجديد في دين الله تعالى،
وإنما يجوز التجديد في إيجاد دعاة أكفاء متميزين بالعلم والفهم، وحسن الاتصال بالناس، كما يجوز التجديد في استحداث وسائل تفيد في توصيل الدين للناس.

الى الاعلى